منذ تدخلت واشنطن في سورية بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي أنشأته ورعتّه في العراق أيام احتلالها، ثم جاءت به إلى سورية لتنفيذ فوضاها “الخلاقة” و”ربيعها” الدموي، استقوت مليشيا قسد العميلة بقوات الاحتلال الأميركي ضد الجيش العربي السوري والدولة السورية ،ومارست كلّ أشكال القمع والتعسف والقتل والإجرام بحق أبناء الجزيرة السورية، وراحت تعمل بالتعاون مع الأميركيين على إنشاء كانتون انفصالي خاص بها يضرّ بوحدة سورية وسلامة أراضيها، وهو ما شكّل ذريعة جاهزة ومبيتة للنظام التركي صاحب الأطماع التاريخية للتدخل في سورية وتهديد أمنها واستقرارها ووحدتها بحجة حماية أمنه القومي المزعوم.
مشكلة العملاء في أي زمن أنهم قصيرو النظر، ولا يتمتعون برؤية سياسية واضحة، فهم لا يرون أبعد من أنوفهم أو نزواتهم الخاصة، ولا يستشعرون اللحظة التي سيضحى بهم ويباعون فيها رخصاء أثناء المزادات السياسية، ولذلك يربطون مصيرهم بمصير مشغلهم، وفي حالة “قسد” المغرقة في قصر النظر والغباء السياسي والانفصال عن الواقع، أنها لم تدرك بعد أن الوجود الأميركي اللصوصي في سورية مؤقت وزائل، وله أهداف ستتغير تبعا للمصالح والظروف والصراعات والتشابكات على الساحة الدولية، وما أن تنتهي هذه المصالح والظروف، سيغادر الأميركيون تاركين خلفهم عملائهم لمصير مجهول، كما فعلوا قبل نحو عام في أفغانستان.
قصر النظر والغباء السياسي لم يسعفا متزعمي قسد لرؤية الوجه الآخر من الحقيقة، وهي متانة التحالف الأميركي التركي، وهو تحالف يريد تحقيق أطماعه وتصفية حساباته على حساب كلّ شعوب ومكونات ودول المنطقة باستثناء الكيان الصهيوني، فواشنطن لا يمكن أن تضحي بحليف أطلسي كأنقرة من أجل مساندة طموحات غير واقعية لعملاء صغار لا يعرفون أين تكمن مصلحتهم الحقيقية ؟.
الوجه الآخر للغباء السياسي وقصر النظر لدى قسد يتمثل في عدم استغلالها الفرص الكثيرة التي أتاحتها الدولة السورية لها كي تعود عن غيّها وأوهامها وتنخرط في تفاهم أو مشروع وطني بعيداً عن نزعتها الانفصالية المريضة، فما كان ممكناً من الفرص خلال السنوات الماضية قد لا يظل كذلك في المستقبل، وعليها أن تدرك أن تحرير الأرض وطرد المحتلين هو خيار الدولة السورية وعندها لا تفاهم مع العملاء، بل سينالون جزاء ما ارتكبت أيديهم بحقّ بلدهم وشعبهم.