جميعنا يدرك ويعلم علماً لا جدال فيه ولا اجتهاد إلا فيما يؤكد المعنى ذاته بأن الماء سبب مباشر لوجود الحياة واستمراريتها لجميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض وفي البحار والمحيطات، ولا داعي للتذكير بأهميتها وضرورتها، من هنا فإن الحفاظ عليها وتأمينها والبحث عنها وعن مصادرها يتصدر سلم أولويات واهتمام الحكومات والدول وشغلها الشاغل، ومع ازدياد الطلب عليها واستخدامها في مجالات متعددة غير الشرب والغسيل والسقاية، وفي ظل تطور الحياة والثورة الصناعية، ومع حدوث تغير لافت في المناخ وحركة الأرض والجغرافيا، فإن هذه النعمة التي وهبها الله للبشرية تحتاج إلى المزيد من الرعاية والترشيد وإعادة النظر في استخداماتها، وضبط حركة عمل اليد البشرية لجهة العبث بها واستنزافها وهدرها ونحن في وقت بأمس الحاجة إليها، حيث تنتشر هذه الظاهرة (النشاز) بكثرة في معظم المحافظات والمدن والأماكن والمنازل والمحلات وغيرها، وتشكل حالة مريبة بعيدة عن العقل والمنطق ولربما أصبحت سابقة، فمثلاً نرى يومياً العديد من مظاهروأشكال هدر المياه وسوء استعمالها بشكل لافت من دون حسيب أو رقيب سواء أكان أخلاقياً أم أدبياً أو قانونياً.
فأمام المنازل والمحلات صور متعددة لهدر كميات كبيرة من المياه في الغسيل والتنظيف وترطيب مداخل الحارات ورشها، كذلك تهدر المحلات التجارية ومغاسل السيارات والحدائق عشرات آلاف الأمتار المكعبة وربما أكثر بكثير من المياه بنفس الطريقة في وقت يعاني فيه الناس من أزمة حادة في تأمين المياه للحاجيات الأساسية الضرورية، وتبقى مئات وآلاف الأسر بلا مياه، وخلال دراسة جديدة صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء فإن نحو 50% من المياه يتم هدرها عبر شبكات المياه نفسها، وهذه النسبة تشكل تحدياً حقيقياً وتستدعي استنفاراً مباشراً من جميع الجهات المعنية وعلى رأسها الحكومة لمعالجتها بالسرعة القصوى ولاسيما أن الدولة ترصد مليارات الليرات لتأمين مياه الشرب، كما أن هذه ال 50% التي تذهب هدراً تعني فيما تعنيه خسارة وفضيحة وربما ترتقي إلى جريمة.
فلنتخيل جميعاً أن نصف المياه تذهب هدراً ضمن الشبكات المائية ونحن في أمس الحاجة إلى متر واحد من الماء، ثم إن ذلك يجعلنا نطرح بإلحاح أهمية الانتباه إلى أن سوء تنفيذ الشبكات وقدمها وسوء الخطط والإدارات التي تشرف عليها، والأمثلة كثيرة على ذلك، فهناك أماكن ومواقع تتوافر فيها المياه بكثرة حتى في المحاضر والتجمعات والضواحي السكانية، وأخرى تعاني كثيراً من فقدانها وبالكاد تتوافر، وأخرى أيضاً تشتري المياه على مدار العام.
أمام هذا الواقع نحن فعلاً بحاجة إلى تفعيل الضابطة المائية ومحاسبة العابثين في المياه وإصدار قوانين وتشريعات تجرم الاعتداء عليها وهدرها، وتتشدد في العقاب والمحاسبة وقبل كل ذلك معالجة أسباب الهدر واستثمار الينابيع والمواقع المائية ومياه الأمطار وليس تركها تذهب للأنهار والبحار.