الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
أفكارنا ورؤانا شبه الإيمانية حول الطبيعة والكون والأرض، وطبيعتنا نحن أنفسنا… كلها تعرضت إلى زلزلة انقلابية أمام السيل الجارف والشمولي للتقدم الجذري الذي أدخل ثورة في العلوم كافة.
هذا التقدم اقترن بوعي كوني جديد، وعي يجب عليه أن يدرك الملامح ذات البعد البربري في عالم حديث يلهث بتطور آخذ في التسريع الذاتي. فعلى مدى عشرات آلاف السنين انتشرت المجتمعات القديمة من الصيادين – الجامعين فوق الأرض. أصبح بعضها غريباً عن بعضها الآخر بفعل المسافة واللغة والطقوس والمعتقدات والأعراف. كما اختلف بعضها عن بعض، فبدا بعضها ليبرالياً، في حين بدا البعض الآخر تقليدياً منغلقاً، ولكنها شكّلت، على الرغم من اختلافها، الأنموذج الأساسي والأول لمجتمع الإنسان العاقل. ليأتي فيما بعد توسع الحضارات المدينية/الريفية، ويطرد هذه المجتمعات البدائية باتجاه الغابات والصحارى، حيث اكتشفها منقبو العصر الكوكبي قبل القضاء عليها وإبادتها، دون أن يتمثل مبيدوها القسم الأهم من معارفها التي تشكّلت عبر آلاف السنين. ومن هذا المنطلق يمكن رؤية التاريخ بأنه ظهور الدول وتعددها والصراع فيما بينها حتى الموت، إنه المعارك والدمار، وتدفق القوة والسلطة اللتين لا حدود لهما، وتطور التقنيات والعلوم، وظهور الكتابة وتطورها، كما أنه بين الفينة والأخرى، قد يكون رسالة من رحمة وتعاطف وفكر يبحث عن سر العالم. والكتاب الإلكتروني الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن «المشروع الوطني للترجمة» تحت عنوان (الأرض – الوطن)، تأليـف: إدغار موران، وآن بريجيت كيرن، ترجمة: د.سلمى دبجن. يبدو كأنه وصية تعرض تعاسة القرن العشرين، وتفتح ثغرة ضوئية نحو قرن قادم حيث يؤسس «إدغار موران» – كما يقول في كتابه (إلى أين يسير العالم) – «نقطة انطلاق للخروج من عصر ما قبل التاريخ للفكر الإنساني المعاصر عبر تفكير متعدد المراكز يكون قادراً على تبني رؤية كونية ليست مجردة، بل رؤية كونية واعية بتعدد الشرط الإنساني؛ تفكير يتغذى من مختلف ثقافات العالم». ويحثنا موران في هذا الكتاب على القيام بخطوات ارتدادية من خلال التفكير بمفهوم الأرض – الوطن، مشيراً إلى أي حد أصبحت أزمات الحاضر كونية، سواء أكانت زلازل اقتصادية، أم اختلالات ديمغرافية، أم تهديدات بيئية. كما أنه يريدنا أن نتسلح ضد العُصاب الجماعي لمجتمعاتنا لتشكيل ما سماه (الهوية والوعي الأرضيين)، فيطرح خيارين لا ثالث لهما: إما أن ندرك الحقيقة الكونية وحدودها الشمولية داخل الوعي، وإما أننا سنسقط ونتهاوى في مستقنع البربرية. كما أنه يبيّن دور تطور العلوم وتطور التقنيات الذي بات يغذي بعضه بعضاً، وأثر ذلك في الاحتضار الكوكبي، بحيث غزا هذا التطور أنسجة المجتمعات المتقدمة جميعها، وزرع فيها بطريقة منظمة منطق الآلة الاصطناعية حتى في الحياة اليومية، وذلك بانتزاع الكفاءة من المواطنين، وإعطائها إلى الخبراء والمتخصصين، حتى فرضت هذه العلوم انقساماتها على الفكر من خلال فرض مبدأ التفكيك والاختزال. ويعرج هذا الكتاب أيضاً على موضوعة إصلاح الفكر إذ يوضح مؤلفا الكتاب بأن: «العصر الكوكبي يتطلب وضع كل شيء في سياق الكوكبي، بحيث تصبح معرفة العالم كعالم ضرورة فكرية وحيوية، ولمعرفة مشكلات العالم وتغييرها ينبغي إصلاح الفكر. غير أن هذا الإصلاح، الذي يتضمن تطوير المعرفة، يدعو بحكم الواقع إلى تعقيد هذه المعرفة». إذاً يمكن القول ختاماً إن هذا الكتاب الإلكتروني المهم يدرس المواطنة الأرضية وأنسنة العلاقات بين المجتمعات، منتقداً السياسات الإمبريالية، ومتطرقاً إلى مرحلة ما قبل التاريخ والقصص الكبرى. كما يكشف أيضاً وعي الإنسان على الأرض، والخلل الاقتصادي العالمي الذي أدى إلى التضامن بين الواحد والكل في الوقت نفسه عند حدوث أزمات واضطرابات اجتماعية أو سياسية تؤدي إلى تدميره.
ولقراءته كاملاً يمكن الدخول إلى موقع الهيئة العامة السورية للكتاب/الكتاب الإلكتروني عبر الرابط التالي:
العدد: 1099 تاريخ: 14 – 6 – 2022