الملحق الثقافي – محمد خالد الخضر:
لا يمكن لأحد أن ينكر حضور الثقافة القوي على صعيد المؤسسات بأشكالها وأنواعها، ولا يمكن أن نقتنع أبداً بأن الحداثة هي إلغاء الماضي وإنكار الجذور وتعويم ما ليس له فائدة بحجة التطوير والتحديث .. فالتطوير هو تقوية أسس البناء لا تهديمها، ولا يمكن أن ننكر أبداً أن ما نتعرض إليه من مؤامرات متنوعة منذ أن دخل غرباء إلى بعض الأراضي العربية بحجج مختلفة، أولها الانتداب ثم الاحتلال ثم الاغتصاب، وبعد ما تعرض له الغرباء من خسائر.. وجدوا أن السيطرة على العقول والعواطف والأحاسيس هي أهم بكثير من أي قوة يمكن أن تستخدم. فليس من الضروري أن نتكلم الآن عما حصل وحدث قبل سنوات الحرب لأن الاستهتار من المثقف أخذ به إلى الضياع.. فبعد أن كانت أي حالة ثقافية في أي مؤسسة تأتي بشعرات المثقفين.. أصبح عدد الحضور لا يصل إلى عشرة.. فيمكن ما وصلنا إليه أن يكون بعضه مقصوداً وبعضه بسبب عدم المعرفة والجهل وبعضه بسبب تخاذل النفس وعصيان صاحبها.. فبعد أن كان يحسب ألف حساب من يعتلي المنبر ويصل إليه، أصبح الآن أي متهور في الكتابة يتمكن من استحضار أي دعي فهو يسميه ناقداً والآخر يعطيه صفة أدبية كشاعر أو قاص، وأصبحت الأجناس الأدبية على اختلاف أشكالها تنال التسميات التي لا يمكن أن تكون إلا في الخيال.. عندما تسمع الناقد يقول لك لا وقت عندي لقراءة كتاب فمشاغلي كثيرة، وتجده يتهور أمام أي بسمة أو ضحكة فيسهر الليل باحثاً عن عبارات تناسب الجمال الشكلي والشعر الممتد إلى المنتصف والعينين السوداوين أو الضائعتين بعدستين أو غير ذلك. لا يوجد حسابات إلى غد.. فاليوم هدف غريزي يمكن أن تجد الناقد متهوراً في أي وقت ويمكن أن يغير بعض ( نمطياته اذا كان الذي يتناول الحديث عنه ذكرا.. أما إذا كانت أنثى فلا يمكن أن يجد إلا الميتافيزيقيا والفانتازيا والميثولوجيا والواو) وهذا تكون صفحات التواصل الاجتماعي قد تزينت بحدث جديد أو أحداث جديدة وبتميز شكلي آخر، وهذا الأمر أخشى أن يتعمم بعد سنوات ليست طويلة. والأشد خطورة أن هناك بعض من يسمون أنفسهم بالنقاد أو من يسميهم متخاذلين يطلقون حكم الإعدام على الماضي فيقول لك واحد منهم مثلاً: لابد من إلغاء شعر الشطرين أو الموزون بشكل كامل لأن هذا النمط الشعري لا يمكن أن يستوعب الحداثة والتطور والحاضر. هيا نقول لصاحبنا: أي حداثة تلك التي لا تستطيع أن تقنع جمهوراً على عدد أصابع اليد.. وأي تطور ذلك الذي لا يمتلك أسرار القوة الثقافية التي تجعل الآخر يراه سهلاً ممتنعاً، ويحمل على الأقل بعض انعكاسات واقعه الذي دائماً يطلب التحريض على مواجهة المتآمر. وما ذهبنا إليه لا يعني بالمطلق أننا نلغي الحديث شرط أن يملك هذا الحديث ما يمكنه من حماية نفسه ومن القدرة على التعامل مع كل من يحتاج إليه.. فالحديث الذي يسمى أدباً يجب أن يكون على علاقة وطيدة مع المجتمع بكافة أشكاله وعلى علاقة تصادمية مع من يقف ضد المجتمع مهما كلف الأمر. فالثقافة تحتاج إلى سلاح يمكنها من الحضور على الأقل، وهذا السلاح يجب أن يتمتع بحماية من يحركه.. فليس صحيحاً أن يصل إلى المنبر من يريد وليس صحيحاً أن يصبح كاتباً من يريد وليس صحيحاً أن نفقد شعبية الثقافة بسبب انحلال القدرة على الدفاع عنها فكل من أراد أن يكون مطرباً الآن يطلق صوته بأي مكان.. وليس مهماً أن يكون له شعبية ما دام هناك من يطبل ويزمر له. وأختم بعض ما عندي الآن بمشهد حضرته: امرأة عددت كتبها التي بيديها وقالت مستشعرة على منبر: أنا لا أفعل فعلاً خسيس ولا أفكر بيوم الخميس.. فصفق لها من معها وقرأت في غير مكان.. التجمع الفلاني أقام أمسية شعرية لعدد من الشعراء والشاعرات في مكان ما.
العدد: 1099 تاريخ: 14 – 6 – 2022