الملحق الثقافي:
لن ندفن رؤوسنا في الرمال ولن نصمت أمام الواقع المر الذي تعيشه ثقافتنا واقعاً وآفاقاً ، إبداعاً وانتشاراً لن نبعد عن الحقيقة إذا قلنا :إننا أمام إخفاق ثقافي ومعرفي رهيب على الرغم من كلّ مانراه من مظاهر تدل على أننا في حراك ثقافي لكنّه في واقع الحال وهم وسراب،
حراك خلبي لم يثمر، لم يعط أبداً أي نتاج على أرض الواقع.
ربما يسأل أحدهم لماذا أذهب إلى هذا الادعاء ولأفترض أنه ادعاء لئلا أكون كغيري مقرراً وانتهى الأمر.. فما من أحد يملك ادعاء نهائياً في هذا الإطار أوغيره لكني أعلن رأياً من أجل نقاش مايحرك الواقع الراكد ولعله يصل في تقاطعات مع الآراء الأخرى إلى سبل ماتساهم في إشعال حراك ثقافي وأعود إلى القول الادعاء أن ثقافتنا كانت وهماً أو هي في الواقع بعيدة عنا ، بيننا وبينها جدران نحن مثقفو بروظة ، مثقفو واجهات نسوق أنفسنا من باب الرياء والنفاق ، وإلا ما الذي جعل واقع مجتمعاتنا العربية تظهر عارية من كلّ شيء ما الذي يجعل أفغانياً يعيش في كهوف توروبورا يأتي مدننا ليقودنا إلى الحرية كمايدعي.. ما الذي يجعل راعي إبل في صحراء الربع الخالي يضحي لذبحنا ويطيعه الرعاع وكأنه رسول مرسل..؟
ماالذي يجعل حملة دكتوراه في العلوم النظرية وحتى علم الاجتماع يحملون الطناجر ليلاً واستجابة لنداء مأفون..؟
كيف كنا نعيش هل هو النفاق وقد ذاب كلّ شيء..؟ أكنا مرضى نفسيين ومازلنا وهذه تحولاتنا..؟
الثقافة والمثقف والمجتمع المشغول بالحراك الثقافي ليست هذه صفاته ولاتحولاته وحتى ليست هذه قاذوراته…
الأمر ليس في مجتمعنا السوري بل في المجتمعات العربية كلها لا يمكن أن تقول وبطمأنينة أن ثمة وعياً ناجحاً يبدد في الأفق عند هذا المجتمع أو ذاك فما السبب..؟ أليس تصور الحراك الثقافي والانتاج المعرفي وراء ذلك..؟
لماذا سوقنا السيىء واحتفينا به واحتربنا به ومن أجله وتركنا الأصيل والحقيقي ..؟
لماذا تسود ثقافة الكراهية وأحقادها وتغيب فيروز ونزار قباني ، ولوحات فاتح المدرس وصوفية ابن عربي..
لماذا تفوح رائحة مجاري الصرف الصحي في الأزقة ويغيب عطر الياسمين ونداه..؟
لماذا غابت سيارين الزبداني وبلودان وسهرات قاسيون والغوطة ورحلات البحر ،ليحل محلها رحلات الرعب والخطف والقتل والموت..؟
أليست أسئلة جديرة بالطرح…؟ ولكن من يقدم الاجابات أجد نفسي في ادعاء أحادي أن ثمة سبباً رئيسياً يقف وراء ذلك وهو من أسباب كثيرة ..إنه الإخفاق الثقافي والمعرفي إنه انكسار النخب المدعية المعرفة والتنوير.. إنها شهادة الإدانة لكلّ من عمل ويعمل بالثقافة ويدعي أنه مثقف أو أنه من منتجي الثقافة.
لوكنا نملك ثقافة حقيقية أو نبدع ثقافة رائعة وراقية ، أو قادرين على نشرها وضع حراك ثقافي هل كان ماكان..؟
حقيقة إننا أمام إخفاق لنا أن نبحث في بعض خطوطه العريضة..
المؤسسات والدور
لاأحد يدعي أن الثقافة تنتج في المؤسسات الرسمية ولكن مامن دولة في العالم إلاولديها مؤسسات تعنى بهذا الشأن ترعاه تأخذ بيده تمده بأسباب الحياة والقوة تضع الاستراتيجيات والخطط وترعى المبدعين والمثقفين داخل البلد وخارجه.
في سورية لدينا وزارة ثقافة واتحاد الكتاب العرب بدمشق ولوبدأنا من وزارة الثقافة لوقفنا عند بنية تحتية متكاملة ربما لانجد مثيلاً لها في العالم… 400 مركز ثقافي متوزعة على خارطة سورية مكتبات مركزية ، صروح ثقافية متميزة (دار الأسد- المعهد العالي للموسيقا – مكتبة الأسد) إلى مافي القائمة.
هيئة عامة للكتاب تتولى طباعة ونشر الكتاب قد قدمت للقارئ العربي خلال رحلتها مذ كانت مديرية التأليف آلاف العناوين واستطاعت أن تحقق حضوراً محلياً وعربياً وماتقدمه من عناوين هامة تلبي حاجة القارئ العربي أينما وجد وهذه الشهادة ليست من باب المديح المجاني …ولكن هل هذا يكفي ..؟
الحق يقال وهذا رأي شخصي أشعر كمتابع ولاأدعي أني مثقف أشعر بغياب تام لدور وزارة الثقافة منذ عقود ،ربما وهذا ظن وبعض الظن سوء أن الوزير والسادة المكلفين بأمور الإدارات وغيرها ذلك يظنون أن الثقافة والمبدعين في خدمتهم وليس العكس.. لم أر أوأسمع أن وزيراً ممن تولى هذه الوزارة استطاع أن يعقد مؤتمراً للثقافة والمثقفين أو أن يضع استراتيجية للعمل الثقافي أوأن يمد جسور التواصل مع مبدعي الوطن….
لابل إن بعضهم ولى صبيانه ليديروا مقدرات الوزارة ووصل الأمر ببعضهم «الصبيان» أن صار يكتب افتتاحية مطبوعة يشرف عليها بخط يده وكأنه المعري أو المتنبي أو ..حين أشرنا إلى ذلك كان محمياً ..
وزراء يظنون أن استقدام الاتحاديين لإدارة بعض المؤسسات الثقافية يعني النجاح مع أن بعضهم لأنه أخفق إخفاقاً ذريعاً غير متفرغ لعمله ورجل هنا وأخرى في الجامعة..
هل نذهب أبعد من ذلك والقول : إن استقدام الأصدقاء لايعني أنهم فريق عمل ناجح أ بداً … وتدوير فلان من موقع لآخر أيضاً لايعني أيضاً أنه سينجح في مكان آخر..
إمكانات قد تكون محدودة لكنها موجودة لاتفعّل ومسؤولون إداريون في موقع القرار نسمع بهم حين يعينون وحين يصرفون ومابين التعيين والاعفاء خيبات أمل.. أماعن التواصل مع الإعلام فليس ثمة داع لأن من يظن أن المكان أسند إليه مكافأة وأن الثقافة والمبدعين يجب أن يسبِّحوا بحمده لايعنيه الإعلام بشيء إلا ان يدور في فلكه ويمجد إبداعاته ويصنع منه بطلاً ولو من ورق..
وقس على هذا الأساس التواصل مع الخارج ، مراكزنا الثقافية في الخارج ماذا تعمل ماذا تقدم..؟ ماذا تسوق؟
ولنا أن نسأل أين الاحتفاء بمبدعينا ..أين الندوات.. أين المهرجانات …رحم الله وزارة الثقافة يوم كانت وزارة .. هل تبعث من تحت الرماد مازلنا ننتظر …لعل …
اتحاد المبدعين
اتحاد الكتاب العرب شأنه شأن وزارة الثقافة بالقدرة على التواصل داخل القطر وخارجه وعلى عاتقه مسؤوليات جسام ولاأكيل المديح هنا إذا قلت :إنه كان أكثر فاعلية من وزارة الثقافة فيما تمر به سورية مع الإشارة إلى أن بعض المتسلقين الذين احتلوا مكانة في مقاعد مسؤولياته لم يكونوا في يوم من الأيام بمبدعين لامن قريب أو بعيد وإذا ماأردنا أن نتحدث عن أعضائه فلنا أن نصمت الآن…
مع الإشارة إلى أن نشاطهم يزداد قبيل الانتخابات يتواصلون ويتحدثون ويحيكون مؤامرات ويقولون سننفعل …وكلّ شيء بعد الانتهاء من الانتخابات يعود إلى ماكان وعلى هذا يمكن القول :إن حاله ليس بأحسن كثيراً من حال وزارة الثقافة وإن كان تواصلاً وتفاعلاً ولكن ذلك يبقى دون الدور وأقل من الطموح ويجب أن يشكر على أنه حافظ على مطبوعاته ودورياته ولم يضغط نفقاتها كما فعلت وزارة الثقافة .
أقلام مأجورة
في تسويق الرديء ثمة أقلام نجدها في المنابر الثقافية كافة صفحاتنا مجلاتنا ودورياتنا تعمل هذه الأقلام تحت الطلب وبالتوصية لن نبرئ أنفسنا أبداً فثمة مجموعات شعرية رديئة لاتساوي الحبر الذي كتبت به تقدم في صفحاتنا على أنها إبداع مابعده إبداع ، لالشيء إلا لأن صاحبه صديق أو لأنه مسؤول في مكان بمعنى آخر نقد تبادلي نفعي ، جرد هذا المبدع الوعي من مكانه فلن تجد من يأبه له ولوبكلمة والأمر كذلك ينطبق حتى على الشاشة الفضية، فقد غاب المشهد الثقافي وغابت الحوارات الثقافية وحل الرديء محل الأصيل..
فمن أين سيكون الحراك الثقافي ومن أين للأصيل المبدع أن يصل ؟ جامعاتنا ومدارسنا تخرج تلامذة وطلاباً قادرين على الحفظ الصم وعند أول امتحان ثقافي ومعرفي هم خارج السياق تدجين قاتل… وهنا يكمن السر..
ولاتسألوا عن قاعات إبداعية مثل : نزار قباني وبدوي الجبل ، وحنا مينة وسليمان العيسي وغادة السمان وكوليت خوري..
ولاتسألوا عن ثقافتنا في الخارج لأننا معنيون بالمكاسب لا يهمنا إلا كم جمعنا من دولارات وكيف…
ثقافتنا ليست بخير ، مبدعونا ليسوا بخير لذلك وطننا ليس بخير والمسؤولية تقع على عاتق الجميع مجتمعاً ومؤسسات، كلنا مسؤول ومهتم مقصر …ولكن هل من يحرك ساكناً دائماً أسأل ويبدو أن السؤال سيبقى أبد الآبدين …
العدد: 1099 تاريخ: 14 – 6 – 2022