عندما يرحل الكبار نزداد تصحراً

الملحق الثقافي – شهناز فاكوش:

تمر في حيواتنا شخصيات تبقى معالمها ترافقنا العمر كله.. تتربع في ذواكرنا لا تبرح فكرنا وتقفز إلى مساحات الواقع حين تجد لها محددات تفيها حقها.. بغيابها تجدب ملامح كثيرة في صفحات أيامنا.. يزحف التصحر لمفردات الزمن بانتظار غيث يجود بأمثالهم..
قبل وقت قصير غادر مضمار الشعر شاعر القصيدة المهربة الجواد الأكثر تمثيلاً للتشرد العربي، والحزن اللصيق بالانهيار العربي؛ ونوائب الأمة حيث اللاوطن.. مظفر النواب ضابط إيقاع المرهقين من حكامهم، بفقده تغيب مفاصل كثيرة من الحيوية التي كانت تنبعث من بين قوافيه.
ما زال فراغ نزار قباني قاحلاً، فكيف مع غياب كبير آخر في الشعر العربي.. كل غائب عن موقع مؤثر في شعب، يزيد حياتهم تصحراً، بالذات في زمن الردة الأخلاقية، حيث تهشمت القيم.. وتخربت النفوس.. وضاعت طقوس الحياة المجتمعية الممتدة ما بين الحاكم والمحكوم.
النّواب شاعر امتطى صهوة اللغة العربية، عانق كوفيات الفدائيين، أزهر البنفسج بين أصابعه وراحتيه، سمى الأشياء بمسمياتها.. فلا مرادف عنده للخيانة إلا الخيانة.. طارت تراتيل أشعاره في فضاءات الوطن من مشرقه لمغربه.. تتضح هويته مع أول جملة شعرية تقرأها أو تسمعها.
انسحاب بلا وداع.. أيا أبا عادل حزنّا على روحك الهائمة الجميلة، هل آن لها أن تستريح من تعب الطين ومقارعة الكسل. انطفأت شعلة مشعلك التي طالما قارعت الكلام بدعوتك للعمل، تشق عباب الليل لتضيء بسيف يوقد في المهجة جمرة.. أيها الكبير مظفر النواب..
كلما أشاح المرء بنظره عن السوء ازداد سعادة وهناء.. رغم أن رصيد المستقبل اهتزازي كنواس الساعة لا نعرف متى يقف.. لكن لابد أن يقف. الحياة بسيطة لِمَ نعقّدها.. المعري كان يستكثر على نفسه لقب أبي العلاء.. حياة التعاظم في المعيشة تفقد المرء هيبته وقيمته الحقيقية.
الحكمة تقول: لا أحد يطعن فيك إلا من تمنى أن يكون مثلك وعجز.. سر القوة والتفوق عند أصحاب الفكر والعلماء، في العقل وما احتواه من فهمٍ وإدراك وأسرار. ما يجعلهم يحتقرون أصحاب الفكر الضحل. فاجمع شتات أمرك وأثرِ مؤنَ عقلك واجعل أمَلك أوسع من متاعب الدنيا
لكل مرتقب.. هل زاد إيمانك بأن الآتي فرج قريب وأفضل من الحاضر، أم وجدت في الرحيل أفضلية في غياب احترام الخصوصيات وتفتت القيم الإنسانية. هل كنت واحداً من أسباب التغيير المناخي للأمزجة.. في احترام المعتقدات والأديان والتاريخ والهوية.. وثقافة الإنسان..
أيا أبا عادل أيها الجريء في الانحياز للعلم والحقيقة.. كل ليل يعقبه نهار ولكل بداية لابد من نهاية.. وبعد كل نهاية بداية جديدة.. الحياة هي حقيقة المسافة بين البدايات والنهايات.. ما كان الأمل مفقوداً يوماً بين طيات مفرداتك.. والغد يلتمع ما بين الحروف الحزينة..
الكذب لا يبقي ولا يذر.. حين أصبح ثوب الحياة أضيق من أحلامنا.. جاء انسحابك دون وداع مفزعاً. رحلت.. وبقيت حياتنا مستباحة للموت وذئاب العالم.. من كنت تشمئز من منظرهم…الخروج من النفق المظلم البارد، يحتاج صبراً في عالم محاصر بالخواء.. واليأس..
كسروا قلوبنا وتركونا نهشاً للهوام.. أيا آية الشمس كم أحرقتِ من الضياء.. أيا لؤلؤة في صدفة بحرية اختبأت ملامحها في ضفائر طفلة قمحية.. أحلامنا اغتالها القدر، وطال زمن الحداد. لم تعد تنطلي علينا شعاراتهم التي تندب الإنسانية وحقوق الإنسان.. لأنهم ذاتهم قتلة الإنسان.. بغياب الكبار نزداد تصحراً.. فليرأف بنا خالقنا..
العدد: 1099 تاريخ: 14 – 6 – 2022

آخر الأخبار
إعزاز تحيي الذكرى السنوية لاستشهاد القائد عبد القادر الصالح  ولي العهد السعودي في واشنطن.. وترامب يخاطب الرئيس الشرع  أنامل سيدات حلب ترسم قصص النجاح   "تجارة ريف دمشق" تسعى لتعزيز تنافسية قطاع الأدوات الكهربائية آليات تسجيل وشروط قبول محدّثة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة  سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع "اللجنة الدولية" في لاهاي  إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها