الثورة – عبد الحميد غانم:
جاءت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للأراضي الفلسطينية المحتلة في وقت يعاني فيه الكيان الصهيوني من أزمات داخلية كثيرة، سياسية واقتصادية وأمنية تهدد مصيره الوجودي.
القلق الدائم المسكون لدى الشارع الصهيوني مرده الأزمات السياسية والوجودية التي يعانيها الكيان الغاصب منذ إنشائه قبل نحو خمسة وسبعين عاما وحتى الآن، حيث لم تستقر أوضاعه الداخلية، وعجز عن تحقيق أهدافه ومشاريعه الاستعمارية في المنطقة، ومازالت المخاطر التي تتهدده ماثلة أمام حكامه ومستوطنيه وتزيد من ارتفاع مستوى القلق لديهم.
ولم تعد المبررات والذرائع والإغراءات التي كان الصهاينة يقدمونها لجذب يهود العالم إلى هذا الكيان المصطنع تقنع باقي “اليهود” من أجل المجيء إليه، ولم تعد صالحة لمجرد الدعاية داخل الكيان، فمن هاجر إلى الكيان من دول بعيدة عرف أنه يجازف بحياته ومستقبله، بعد أن اكتشف بالتجربة أن هذا الكيان ليس المكان المناسب لتحقيق الأحلام التي رسمها حكام الكيان في أذهانهم لدفعهم للهجرة إليه، وبات الكثير من المستوطنين يغادرون لأبسط الأسباب، لأن هذا الكيان لم يكن مكانا للأمن والاستقرار والنعيم كما كانوا يصورونه.
فالكيان الإسرائيلي منذ إنشائه بدعم غربي، قائم على استراتيجية الحروب والعدوان والاحتلال والتوسع والبلطجة، وهو ما خلق له أزمات سياسية واقتصادية وأمنية ووجودية وبات لديه مشكلة في الهوية لأنه كيان غاصب محتل معتد قام على أكاذيب وادعاءات وأضاليل وخرافات دينية وسياسية، لتصبح الأزمات سمة من أوضح سماته.
ولعل الأزمة السياسية التي مر بها الكيان الغاصب في السنتين الماضيتين، بسبب عدم قدرة أية حكومة على الاستمرار لنهاية ولايتها كان أحد أوجه هذه الأزمة، ما انعكس في سياسات وممارسات متهورة في الداخل والخارج منها اعتداءاته الوحشية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، وغيرها من الاعتداءات الجبانة والوقحة والاستفزازية ضد دول المنطقة، ومنها سورية، إضافة إلى عجزه في الاندماج بالمحيط الإقليمي وفشل مشروعه التطبيعي في تحسين صورته المشوهة لدى شعوب المنطقة.
إن استمرار هذه الأزمات أضرت كثيرا بثقة الشارع الإسرائيلي بهذا الكيان، وزادت قلقه وخوفه من مستقبل ومصير هذا الكيان. ولم تعد كذبة أنه ضحية ومهدد من جيرانه تنطلي على الإسرائيليين أنفسهم، إذ أثبتت التجارب أنه كيان غاصب ومحتل ومعتد وهو من يهدد جيرانه ويعتدي عليهم ويحتل أراضيهم ويقتل أي فرصة للسلام.
حتى الرئيس الأميركي بايدن حاول طمأنة شارع الكيان القلق، بالتأكيد على مواصلة دعم أمريكا له والتزامها بالحفاظ على “أمنه”، وهو تأكيد على أن هذا الكيان لا يعيش حالة طبيعية في المنطقة وهو بحاجة إلى دعم ورعاية أميركية متواصلة.
ومهما حاولت أميركا دعمه فلن تنقذه من أزماته ومشكلاته الوجودية لأنها تتغلغل وتتعمق أكثر وتدمره من الداخل. فالعلاج الأميركي هنا لا فائدة منه، طالما يواصل هذا الكيان احتلاله وارتكاب جرائمه بحق أصحاب الأرض الشرعيين والتاريخيين.
ثم أن بايدن ليس في حال جيدة ليقدم للكيان ما يحتاجه على الصعيد الأمني، فهو يعاني ما يعانيه داخليا من مشكلات كبيرة سببها سياسات إدارته الخارجية لاسيما الانتكاسات التي تعرضت لها خاصة بعد تداعيات توسع الناتو شرقا ومحاولة ضم أوكرانيا وغيرها، وما يحصده الغرب الأوروبي بزعامة أمريكا من مشكلات اقتصادية وأزمات غذائية هي أحد أوجه هذه الانتكاسات، والعاجز غير قادر على المساعدة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
السابق