الثورة- بغداد- أحمد حمادة:
عاصمة “السندباد” والمغامرات كما حفرت في أذهاننا حين كنا صغاراً، نسافر مع ياسمينة وسندباد، ونجوب البلاد، منارة العلوم والأسفار وما وراء الأحلام كما عرفناها في المدارس والجامعات والكتّاب، لؤلؤة العالم ودرّة العلوم لما أدركنا كباراً مكانتها السياسية والعلمية والثقافية والحضارية لقرون طويلة سادت فيها المعمورة جميعها.. إنها بغداد نتجول اليوم في أحيائها المعتقة بعطر العروبة ونخيل الصحراء، وهي تفتح لنا عينيها وذراعيها لتضمنا إلى صدر بواباتها الشامخة.
من كل زاوية، ومن ركن وسوق أثري، من كل جامع وجامعة تذكّرنا بكبار أطبائنا العرب، وفلكيينا، وعلمائنا، وحكمائنا، ومتكلمينا، ونحاتنا، وشعرائنا، وأدبائنا، ومترجمينا، ممن ذاع صيتهم في شرق المعمورة وغربها.. من كل هذا وذاك سارت بنا أقدامنا لنشاهد آثارهم وقصصهم وحكاياتهم.
من كل ذرة تراب في جنباتها تكتحل عيوننا اليوم برؤية مشاهد فريدة، من كل قطرة ماء ارتشفنا سلسبيلها من دجلة، من كل خطوة مشيناها على ضفافه، ارتوينا بقصص التاريخ العربي العريق، تاريخ العلم والمعرفة والإبداع.
بريق يخطف الأبصار، وأزقة تمخر العقول عباب حجارتها المرصوفة، فتناديك هنا أم الأدباء، وأم الأعلام، وأم الفلاسفة والحكماء، وأم العلماء، ممن حفروا أخاديد العلم العميقة في وجداننا ووعينا وثقافتنا يوم كانت بغداد عاصمة القارات كتوءمتها دمشق الفيحاء.
في كل دقيقة يمكنك الاستماع، وبكل شغف، لأدباء العراق ومبدعيه، وفرصة لا تقدر بثمن للتواصل معهم، تبادلنا باقات الإبداع، وحققنا الفائدة من الحوارات المفتوحة صباح مساء، وتبادلنا التحية مع أصحاب العشق الأدبي الخالص، تحية كانت سمتها تعادل سعة حب العراق ومجده لأدبائه، وإبداعهم الثر الراقي، وجمال حروف قصيدتهم المزركشة بكل ألوان الطيف الخالد.
من سوق السراي الذي يتجه بعد عبور الجسر القديم نحو سراي “القشلة” إلى جهته الثانية، حيث يقابلك الصيارفة مع أكياس نقودهم وخشخشتها، فتستعد للشراء والتبضع، مروراً بسوق العطور، التي تبدأ من جامع مرجان ودرجات سلمه المؤدية إلى صحنه المنخفض كثيراً عن الشارع، ثم دكاكين العطارين، وقد سميت السوق باسمهم، وكأنك تسير في أزقة دمشق القديمة، وسوق الحميدية النادر الوجود.
ومن سوق الغزل بجوار جامع الخلفاء ومنارته المشهورة إلى سوق حنون، حيث تشدك المشاهد بدءاً من محلة “قمبر علي” وانتهاءً بسوق الشورجة، وصولاً إلى سوق الصاغة.
من أرض بابل، أقدم مواضِع حضارات العرب وأعظمها، تستطيع أن تختزل سيرة آلاف السنين من العلوم وكتابة الحرف، وتختصر تاريخ منطقتنا وحضاراتها بالكامل، هنا بغداد.