ليس خبرا عاديا ذلك الذي تم تداوله في اليومين الماضيين بخصوص تلوث مياه العاصي بنواتح صرف معمل السكر، وبالتالي تلوث مياه ري المزروعات في سهل الغاب..
وبغض النظر عن دقة المعلومة، إلا أن الدقيق والمؤكد هو أن الفاتورة التي ندفعها كمواطنين من صحتنا وأموالنا باتت كبيرة، بعد متوالية نفقات للاستطباب من الأمراض والعلاج والدواء..
وهي جزء من تكاليف التدهور البيئي كعنوان نقرأه ونمر عليه سريعا من جملة مانقرأ عن التحديات المصيرية التي تواجه هذا العالم ونترك مواجهتها لغيرنا..
الوضع البيئي خطير يوازي بخطورته تحديات الخبز و المواد التموينية والمحروقات التي باتت البند رقم واحد المقيم دوما على جدول يومياتنا، لكن الفرق أن مشكلات التموين والمحروقات “تلسعنا” علنا..فيما تنال منا نتائج التلوث بصمت وبطء ..وربما تكون هذه الأخيرة موجعة أكثر عندما تظهر، وعادة تظهر دفعة واحدة.
لانظن أننا سنكون مخطئين لو زعمنا مثلا أن التلوث هو السبب الأبرز لمشكلة نقص مياه الشرب، خصوصا في الأرياف المعروفة بمسمى “القرى العطشى” ودائرة هذه القرى تتسع سنويا، رغم أنها واقعة في مناطق استقرار مطري أولى، أي فيها من الينابيع ما يفترض أن يكفي حاجتها للشرب، لكنها – الينابيع- غير صالحة للشرب، وغالبا السبب هو التلوث بمخلفات الصرف المنزلي، نظرا لعدم وجود صرف صحي ومشروعات معالجة..والشواهد كثيرة في كل قرية حيث يعرف السكان كم من الينابيع كانت عمادهم في مياه الشرب واليوم باتت غير صالحة..
أكثر من ذلك…تؤكد التقارير الصادرة عن جهات بحثية وأكاديمية وطبية، أن أخطر الأمراض التي تتصدر المسببات المباشرة للوفيات، تعود إلى تلوث المياه بالدرجة الأولى..وبالدرجة الثانية المواد الكيماوية المضافة لمعالجة التلوث، بما أن هذه الأخيرة تتطلب دقة في التعاطي لدى خلطها بمياه الشرب.
تلوث مياه الشرب ..تلوث مياه الري..تلوث التربة..لم تعد هذه مجرد مشكلات، بل كوارث حقيقية ندفع أموالنا لمواجهة نتائجها، في ظل غياب أي استراتيجية منظمة لمعالجة أسبابها، وغالبا معالجة النتائج وترك الأسباب هي خيار غير حكيم، وأحيانا ينم عن خصلة لانرغب بذكرها بما أن جلد الذات غير مستحب.
أمام الخطر الذي دفعنا لأن “نحفر قبورنا بأسناننا” بما أننا نأكل ونشرب طعاما وماء غير نظيف، تبدو مشاريع الصرف الصحي أولوية متقدمة جدا ويفترض أن تتصدر أولويات الحكومة، والغريب أن مشاريع الصرف الصحي توقفت تماما مع بداية الحرب على بلدنا، وهاهي النتائج الكارثية بدأت بالظهور، دون أن نسمع عن تحرك أو حتى خطة لدى الوزارة المختصة ونظنها وزارة الموارد المائية.
بقي أن نسأل الوزارة..هل تتحمل مسؤولية الضرر الواقع إن كانت قد اتخذت قرارا بالصمت وعدم التحرك؟
التالي