من يتذكر مفاعيل قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 يدرك تماماً أن أكثر ما تحتاجه عملية التشجيع على توظيف رؤوس الأموال وإقامة مشاريع هي المرونة والوضوح والشفافية المعلنة مع ثبات التشريعات وما يتبعها من تعليمات حكومية مرتبطة بهذا الملف، ولذلك شهدت البلاد في حينه نشاطاً استثمارياً ملحوظاً ساهم في رفع مستويات النمو الاقتصادي من خلال تنوع المشروعات الخدمية والزراعية والسياحية وانتشارها على كافة مساحة القطر..
واليوم لا يزال الاهتمام واضحاً في السعي لجذب الاستثمارات للمساهمة في إعادة النشاط للاقتصاد الوطني الذي يواجه حتى اليوم أقسى الظروف والتحديات بعد سنوات من الحرب العدوانية..
ولأجل ذلك جاء قانون الاستثمار الجديد ليقدم المزيد من الحلول ويعطي المرونة للمستثمرين مع مزايا وتسهيلات تبدو في ظاهرها كافية لإعطاء إشارة البدء لحركة استثمارية نشطة وفعالة في البلاد..
لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن مجرد إصدار قانون جديد وعصري للاستثمار ليس كافياً وحده ليكون قادراً على جذب الاستثمارات، فالأمر يحتاج إلى بيئة متكاملة قادرة على إقناع المستثمر بأنه أمام فرصة استثمارية حقيقية لتنمية أعماله وتطوير مشروعاته.
قد يكون قانون الاستثمار هو حجر الزاوية في هذه البيئة لكنه غير كاف إذا لم تتكامل باقي البنود والاحتياجات التي يجب توفيرها لخلق بيئة استثمارية ليس فقط جاذبة وإنما منافسة أيضاً، وهنا نأتي للحديث عن مسألة الوضوح التي يجب أن تتوفر للمستثمر خاصة فيما يتعلق بالإجراءات والمستحقات الضريبية والمالية التي يستوجب عليه دفعها، حيث إنه حتى الآن لا يوجد وضوح في هذه المسألة وقد كان هذا واحداً من أكثر المشكلات التي وقفت حائلاً دون تشكيل القناعة النهائية لمستثمرين لم يعرفوا بالضبط ما لهم وما عليهم في إطار التعامل مع المسألة الضريبية.
حالة عدم الوضوح هنا وعدم قدرة المستثمر على معرفة حجم الضرائب والمستحقات المالية التي ستستوجب على مشروعه، هي العقبة الأولى لأنه هنا لن يكون قادراً على إعداد دراسة جدوى اقتصادية لمشروعه بالأساس لأنه وإن كان قادراً على تحديد تكاليفه بدقة متناهية لجهة تكاليف البناء والآلات وأجور العمال وغيرها، إلا أنه يبقى لديه ثغرة في مسألة الضرائب المستحقة وبالتالي ستكون دراسة الجدوى ناقصة وغير دقيقة..
لعله من الضروري فعلاً في ضوء هذا الحماس الذي تبديه الحكومة دائماً في ملف الاستثمار أن يتم النظر إلى كل الجوانب المتعلقة بهذا النشاط الاقتصادي المهم وتوفير البيئة المناسبة له بكل وضوح وشفافية وموضوعية، فالمستثمر ليس مضطراً لأن يترك مشروعه رهناً للتوقعات أو لمزاجيات وتقديرات لا تستند إلى واقع أو معطيات دقيقة ليتم تحديد حجم الضرائب المستحقة على مشروعه، ومن حقه أن يكون على علم بكل بما يتوجب عليه في هذا المجال.
علينا أن نعرف أنه لا يوجد من يقيم مشروعاً (على التوكل) وكفى، فالاستثمارات اليوم متاحة للجميع وهناك تنافس لجذب هذه الاستثمارات وليس لتنفيرها والإدارة الاقتصادية الأنجح هي التي تتمكن من جذب أكبر حجم ممكن من الأموال المهاجرة وغير المهاجرة لإقامة مشروعات على الأرض..