من بين كل المعايير والخطط التي توضع بشكل دائم، لا زال أحد أهم المعايير الموضوعية والرئيسية في حياتنا غائباً وبإصرار عن غالبية الإستراتيجيات التي يتم العمل عليها، ولعل من نافلة القول إن هذا المعيار هو معيار الجودة.
الجودة كمعيار تتصل بكل ما له صلة بحياتنا، ولا يمكن بحال تقزيمه إلى مجرد جودة سلعة أم شيء، أي أنه بمفهومه الواسع المعتمد عالمياً هو الجودة اللامادية بالدرجة الأولى لكون جودة المواد لها ضوابط تحكمها كالمواصفة والمقياس وما بينهما مشتملات، الأمر الذي يجعل من الجودة واسعة المحتوى والمعنى ضرورة يومية مفقودة إلى حد كبير في أعمالنا، بل وبالاعتقاد جزماً هي مفقودة بذات القدر في مجتمعنا وعلاقاتنا البينية.
نماذج الجودة أكثر من أن تُحصى، ولعل ما يقترب منها من الذهن هو جودة تعامل الموظفين بعضهم تجاه بعض وبالأخص في معاملات المواطنين، وجودة تعامل رئيس العمل مع المرؤوس، ناهيك عن نموذج جودة أداء الخدمة كالنقل والمياه والكهرباء والغذاء، وجودة إشراف الطبيب على حالة المريض وتقديم الدواء الأفضل من الصيدلاني للمريض لا لمديريات تسويق شركات الأدوية، وجودة إلقاء الدرس على الطالب والتلميذ، والتي يتطلب فيها الالتزام بعناية (أي بذل الجهد الممكن لإنجاز المطلوب) ولا يمكن بحال الالتزام فيها بغاية.
لعل العنوان الأبرز بالنسبة للمواطن في برنامج الإصلاح الإداري كان معيار رضا المواطن ورضا الموظف، وهما معياران عوملا انطلاقاً من حجر الزاوية المادي (ولا أحد ينكر ضرورتها)، في حين كان يمكن تحقيق المادة المطلوبة بتحقيق جودة هاتين العلاقتين من المواطن والموظف، مع الأخذ بالحسبان أن تمكين الموظف وكذا المواطن مادياً ضرورة لا غنى عنها، ولكن يمكن تبعاً للظروف المضي فيها تدريجياً، بالتوازي مع المضي في تطوير جودة التعامل والخدمة، فيكون الارتقاء بالعمل أساس التطوير المادي الأسرع تبعاً لتطور العمل وتحقيقه المراد منه.
هو معيار لا غنى عنه في المرحلة الحالية باعتبارها أساس مرحلة الإعمار، فتطبيق هذا المعيار يعني المباشرة ببناء الإنسان الذي سيعمّر هذه الديار وينهض بها من وقعتها القسرية التي فُرضت عليها، ولعل من نافلة القول إن العمل بمعيار جودة العلاقات والخدمات يعني إعادة إحياء العامل الأخلاقي الذي لا يمكن الجزم بغيبه، بل يمكن الجزم بأن الغالبية الأعم في المجتمع والأعمال تشكو غيابه وتتمنى عودته.