الثورة _ ظافر أحمد أحمد:
تتراقص تركيا بين (واشنطن والاتحاد الأوروبي وموسكو) على حلبة استعراض تنتفخ فيها الذات التركية وكأنّها قطب عالمي، من دون التنبه إلى أنّه في لحظة ما لا يمكن لقوة عظمى قبول تركيا في حضن قوة عظمى منافسة،.. وعندما تتصارع الفيلة لن يسلم العشب التركي من الانسحاق..
تركيا مثقلة بملفات (متفجرة) وأخرى قابلة للتفجّر، ومنها ملفات ترتبط بواقعها الداخلي (كالملف الكردي، وملف منظمة غولن، وملف نفوذ العسكر، وملف الحريات..) وملفات ترتبط بسياساتها الخارجية نتيجة التوغلات التركية في (سورية والعراق وليبيا وقبرص)، إضافة إلى علاقات متوترة مع اليونان وأرمينيا..
ومهما يتمّ التسويق لاقتصاد تركيا بأنّه من الاقتصادات القوية، فإنّه لا يمكن التغافل عن هشاشته التي تجعله أقرب إلى الانهيار مع أوّل هزة حقيقية يتعرض لها، وهاهي العبرة في أقوى اقتصاد أوروبي (الألماني) إذ لو حدث ظرف ما وقُطع عنه صنبور الغاز الروسي فيعني انهيار ألمانيا، وهذا ما يؤكده ساستها قبل خبرائها.
وحتى الآن تقتضي التجاذبات الدولية ألاّ تغضب قوّة عظمى من أداء أردوغان كي تضرب اقتصاد تركيا، أو (تضرب) أردوغان كشخص ونظام، وسبق أن تمّت محاولة سحقه عام 2016، بانقلاب فاشل، وتأكد بإقرار تركي وغير تركي بأنّ تلك المحاولة لم تكن بتدبير داخلي بحت بل هناك يد خارجية حددتها أنقرة بأنّها واشنطن الراعية لمنظمة غولن التي تشكل الهاجس الأكبر الذي يؤرق نظام أردوغان.
وهذه النقطة تحديداً توضح آلية الفهم لعلاقة أنقرة بواشنطن، التي تعتمد سياسة التحالف مع تركيا مشروطة باستمرار إهانة أنقرة والضغط عليها من خلال التبني الأميركي لمنظمات وقوى تصنفها أنقرة (إرهابية) وتشكل الرعب الحقيقي لتركيا.
وأدلة الإهانة الأميركية المتواصلة على الحليف التركي لا تقتصر على ذلك بل توجد عقوبات تطبقها واشنطن على ثاني أكبر قوة حليفة لها في حلف ناتو (الجيش التركي)، وسبق أن وضعت عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين..، وتضع شروطاً صريحة لرفع العقوبات عن تركيا، وهي طلبات تؤدي في نهاية المطاف إلى تصنيف تركيا كدولة تسيّرها واشنطن.
أمّا أوراق الضغط التي تمتلكها موسكو على أنقرة لا تقل قسوة من أوراق واشنطن، لأنّ أحد شرايين الاقتصاد التركي بيد موسكو (الغاز- السوّاح الروس).
وبخصوص أوراق الضغط التي يملكها الاتحاد الأوروبي فهي كثيرة ويكفي استمرار الإهانة الأوروبية لتركيا بتصنيفها كنظام قمعي لا يمتلك المعايير المؤهلة للهوية الأوروبية، إضافة إلى تطبيق جملة عقوبات على أنقرة بسبب خلافات التنقيب عن النفط والغاز مع اليونان في المتوسط.
إذا لماذا يتابع النظام التركي (نفخه بالذات التركية) وكأنّه سينظم ترتيبات إنهاء الحرب الأوكرانية وأزمة الغذاء العالمية وحل الأزمة الليبية والأزمة السورية وأزمة اللاجئين .. وتنظيف المنطقة من الإرهاب وتحديد حدود التوسع لناتو..؟ فإنّها مهمة تركية وظيفية تتيحها حتى الآن تغييرات القطبية السياسية التي مازالت ترتيباتها قيد الصياغة عالمياً، وتتطلب من شتى القوى الحفاظ على استقرار تركي آني سيفقد ترابطه عندما يجد قطب عالمي ما أنّ الوقت يناسب لتنفيذ (ربيع تركي) على غرار تجربة الربيع العربي المدمر.