الملحق الثقافي-غسان شمه:
ذات مرة قال فرويد إنه كلما انتهى من دراسة أو بحث في النفس البشرية يجد أن الأديب المدهش دوستوفسكي قد سبقه إلى أغوار النفس البشرية من خلال الشخصيات التي يقدمها في أعماله الروائية.
ونحن اليوم نعلم أن الأديب والروائي الكبير صاحب الأعمال الخالدة غالباً ما يمتلك من المعرفة الإنسانية والفلسفية والرؤية النقدية ما يجعله خزاناً للتجربة البشرية التي تتسم بالعمق والحفر البعيد الأثر في الذات البشرية والمجتمع..
يستطيع كل منا أن يستحضر في ذهنه شيئاً من هذه التجربة الإبداعية أو تلك، ولكني لأسباب كثيرة غالباً ما استوقفني بيت المتنبي، الذي أجد فيه الكثير من نوافذ الرؤية الإنسانية المفتوحة على المعرفة والتجربة التي تلخص بتكثيف شديد صورة مدهشة يمكن أن تجد لها مثيلاً في كثير من الأمكنة والأزمنة، فالمتنبي يقول «والظلم من شيم النفوس فإن / تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم» وكأنه يضعنا أمام صورة مغايرة في فهم الطبيعة الإنسانية..
وعندما ننظر اليوم فيما يحيط بنا من عالم مثير للشفقة والحزن على حال الإنسان نفسه، نجد الكثير مما أصابنا ينبع في العمق من تلك العلاقة بين الغرور والصلف الذي يميز ميل الإنسان للقوة، لكن المدهش كان تلك النظرة العميقة للذات البشرية التي تترفع عن ممارسة الظلم بداعي عجز غير معلن عنه.. فهل من الممكن أن تكون هذه الصورة هي حقيقة الحافز عند الإنسان في إقدامه ذاك أو إحجامه؟
بالطبع هناك الكثير من المفكرين والفلاسفة يرفضون هذه الرؤية لكن من يمتلك إجابة نهائية على مستوى مسألة إنسانية بهذا العمق..؟ وهل يعيدنا ذلك لنصف بيت المتنبي «على قلق كأن الريح تحتي..» وهل مصيرنا هو هذا القلق الجدلي؟
العدد 1104- 26-7-2022