الثورة – فاتن أحمد دعبول:
أقام اتحاد الكتاب العرب وضمن فعاليات اجتماع مجلس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في سورية، ندوة حملت عنوان” دور الأدب المقاوم في الحفاظ على الهوية العربية” بمشاركة عدد من الباحثين والمبدعين السوريين والعرب من الدول المشاركة في الاجتماع.
وأجمع المشاركون على أهمية الثقافة ودورها في بناء الفكر والإنسان والمحافظة على الهوية الوطنية، مؤكدين أنه من الأهمية بمكان العمل على تحصين الفكر والوطن ضد المؤامرات، وهذا لا يتم إلا بتكامل الجهود وتعاضد الشعوب العربية ووقوفها معاً ضد أي غزو ثقافي أو سياسي، والتمسك بثقافة المقاومة كسلاح أساس يشهره العرب في وجه الطغاة والمعتدين.
جمعة سعيد الفاخري: الشعر مقاوم
وبين الأديب جمعة الفاخري” ليبيا” أنه على مر السنين والأحقاب، وعبر كل الأحداث والمناسبات، لم يكن الشعر الليبي إلا مقاوماً، منحازاً للوطن وأهله، وفياً لقضايا أمته المصيرية، ملتزماً بالذود عنها، منشغلاً بنصرة شعبه، معنياً بتحقيق مطالبه ورغائبه، متصدياً لكل عدو يهدد أمن وطنه، منافحاً عنه بسلاح الكلمة ورصاصات القصيد، داعماً للمقاومة الوطنية، ومحرضاً على محاربة المعتدين.
وهذا يتجسد حقيقة ماثلة فيما قاله شاعر ليبيا الكبير أحمد الشارف:
رضينا بحتف النفوس رضينا، ولم نرض أن يعرف الضيم فينا
ولم نرض بالعيش إلا عزيزاً، ولا نتقي الشر بل يتقينا
فما الحر إلا الذي مات حراً، ولم يرض بالعيش إلا أمينا
وما العز إلا لمن كان يفدي، ذماماً ويفني عليها الثمينا.
ويضيف الفاخري: لعل مواقف الشعراء الليبيين إبان الغزو الإيطالي لليبيا 1911 ودورهم العظيم في الدفاع عن وطنهم بأشعارهم، وحث المواطنين على الجهاد وإذكاء روح المقاومة فيهم ودفعهم لمواصلة حرب الغزاة المعتدين، هذه المواقف جميعها تؤكد أن الشعر الليبي كان منصة متقدمة لإطلاق صواريخ المقاومة، وسلاحاً فتاكاً يرهب الأعداء، ويملأ وجدانات الشعب المتحدي بالعزيمة والصبر.
وتتجلى صور المقاومة بالشعر في جل قصائد تلكم الحقبة، لا سيما أشعار المجاهد سليمان الباروني، وحسين الحلاني وأحمد الشارف، وحسن غالب المغربي وكثير غيرهم، وبهذا بقي الشعر الليبي المقاوم مرسخاً للهوية العربية، محافظاً عليها.
د. سام عمار: أدب إنساني
وقدم د. سام عمار من سورية عرضاً بانورامياً لمفهوم أدب المقاومة في نشأته وتطوره وارتأى أن يتناول المفهوم في صورته المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، ثم يعود بعد ذلك إلى الإرهاصات التي هيأت لظهوره في القرنين العشرين والتاسع عشر.
وبين أن أدب المقاومة شكل من أشكال الأدب الإنساني، تنتجه أي أمة عانت من الاحتلال والتعسف والقهر، وهو شكل من أشكال دفع الظلم والأذى والعدوان ترتدي لبوس الأدب، ويتخذ صورته أسلوباً في التعبير عن المشاعر والأحاسيس والأفكار الرافضة له والساعية إلى إزالته وإلى إعادة الحق إلى أصحابه الحقيقيين” إنه أدب نضالي تحرري”
وفي بحثه عن جذور مبدأ الالتزام الذي يعتبره جذراً لمفهوم أدب المقاومة، يعود في التاريخ إلى منتصف القرن التاسع عشر الذي ظهرت فيه الواقعية في الأدب، والتي ظهرت في ثلاثة اتجاهات تمثل ثلاثة أطوار، أولها الواقعية الانتقادية، الواقعية الطبيعية، والواقعية الاشتراكية وهي الأكثر نضجاً.
ليصل في نهاية البحث إلى أن تطور المواقف في هذه الاتجاهات الثلاثة هو الذي أوصل إلى مبدأ الالتزام في الطور الثالث الذي ظهر في القرن العشرين، والذي اعتبره جذراً لأدب المقاومة الأكثر تعمقاً وتقدماً.
د. سمير الخليل: تفعيل قوة الهوية الوطنية
وربما نختصر الحديث المطول للدكتور سمير الخليل، العراق، بما انتهى إليه في خاتمة البحث أنه يجب على المقاوم أن يقاتل بالأسلحة والوسائل المعرفية، فهي تؤسس المنظومة الكونية للخلاص، وهي التي تقلب المعادلة التي يرتكز عليها العقل الآخر، والذي ينطلق في تقييماته ونزوعه إلى التهميش والاستصغار وجعل الإنسان يغرق في أزمات سوداوية تجعله يتناسل في اللاإبداع واللاهوية.
ويبين بدوره أن العقل الغربي وتمظهراته العنيفة وطقوس العولمة والإمبريالية، تستهدف أساساً تفكيك الهويات الوطنية وتمزيقها ومحو الذاكرة، وجعل الإنسان المقهور يعيش في دياجي الاجترار والظلامية، لذلك هم يعبرون الجسور بدباباتهم ويسعون إلى حرق الكتب واللوحات ونهب المتاحف، ويصدرون استراتيجيات الصورة والإرساليات الإليكترونية لكي يجعلوا الإنسان ضمن منظورهم الاستعماري، وجعله في موقف الضعف.
ويضيف: إن تفعيل قوة الهوية الوطنية يرتبط بروح المقاومة التي تبدأ بصيغتها العلمية وإعادة اكتشاف الذات عبر الوعي والتمرد الإيجابي، والتمركز حول المشتركات المضيئة والبانية لثقافة التسامح والمحبة، وليس بتمجيد وتأليه الأجزاء والفرعيات والتطرف والظلامية.
طارق ثابت: التجذر كنز
وتحدث د. طارق ثابت عضو الأمانة الوطنية لاتحاد الكتاب الجزائريين عن المقاومة وسؤال الهوية في رواية النكبة الفلسطينية، رواية “رجال في الشمس” لغسان كنفاني أنموذجاً.
وبين أن كنفاني حاول في هذه الرواية أن يقول للمتلقي: عليك أن تبقى في أرضك، وأن تتشبث بها رغم ضياع أشياء كثيرة، فترك الأرض والهجرة إلى رغيف الخبز مصيره الهلاك، وعدم الحصول على شيء، فخير لك أن تعيش في أرضك.
ويرى أن التجذر الحقيقي بالأرض كنز الهوية، والكيان والوجود الحقيقي، وعليك أيها الفلسطيني ألا تتبع القيادات العاجزة التي هي كأس الخيزران، فإنسان كنفاني في العمل ممزق يريد أن يعيش بعد أن يجمع أشلاءه، وفي محاولة للحياة يواجه الفشل، فلا يستسلم ويصبر إلى النهاية وهي الموت الذي تولد منه الحياة.
وقد اختار الكاتب شخصياته على هذا النحو، ليتم له الموقف النقدي والتعرية، لأنها تمثل أجيالاً فلسطينية مختلفة، كما تمثل مدداً زمنية متعاقبة.
تميزت الندوة بغنى الأفكار والطروحات التي قدمها المشاركون في مداخلاتهم، وتبع الندوة العديد من المشاركين والمهتمين من المثقفين والأدباء التي امتلأت قاعة اتحاد الكتاب بهم، وربما كانت الندوة الأولى التي أقيمت في القاعة بعد صيانتها وإعادة تأهيلها، لتكون لائقة بزوارها ومكانتهم.