الثورة ـ أديب مخزوم:
من أبرز إيجابيات المعرض المركزي الأول لمراكز الفنون التشكيلية والتطبيقية، التابعة لوزارة الثقافة، الذي أقيم بخان أسعد باشا، متضمناً أكثر من 146 عملاً، أنه أفسح المجال لاكتشاف مواهب فنية جديدة، بهدف دفعها خطوات إلى الأمام، ولقد تميزالمعرض بنوعية جيدة من اللوحات المنتقاة بعناية مركزة، وبحساسية بصرية عالية، والمنفذة بتقنيات مختلفة ومتنوعة، تركزت مواضيعها حول العناصر المختلفة، ضمن صياغة واقعية واضحة ومفهومة من الناس جميعاً. والمعرض تضمن، رغم صعوبة إرسال الأعمال من المحافظات في المرحلة الراهنة، نسبة كبيرة من أحدث نتاجات المشاركين والمشاركات.
ووزارة الثقافة تعمل بهذه الخطوة بشكل جدي لاكتشاف الطاقات الشابة، لاسيما وأن اللوحات التي اختيرت كانت بمجملها واقعية وأكاديمية، وبالتالي بعيدة كل البعد عن المظاهر التشكيلية التعبيرية والتجريدية والمتسرعة، والتي غالباً ماتطل في معارض الأسماء الجديدة وطلاب الفنون.
فالمقياس أو المعيار كان في هذا المعرض النوعي لمن أظهر مقدرة أكاديمية في تشريح مشاهد الواقع، ولمن أكد تفوقاً في امتلاك قوة الخط واللون، وأسرار التعامل مع التقنيات المتنوعة بعفوية صادقة ومركزة. فالمطلوب من الفنان الحقيقي أن يبدأ بعرض لوحاته الواقعية، قبل أن يتدرج وينعطف نحو الأساليب التشكيلية الحديثة التي قد توصله إلى التبسيط التعبيري والتجريد اللوني، وهذا ما رأيناه في هذا المعرض ـ التظاهرة، وبخلاف مانجده في معارض طلبة الفنون والأسماء الجديدة، التي غالباً مايحاول أصحابها القفز فوق المراحل، وخاصة المرحلة الأكاديمية، والوصول إلى أقصى حالات التجريد اللوني الانفعالي والعبثي.
فمشكلة معارض طلاب الفنون ( باستثناء هذا المعرض وأمثاله ) تكمن في تفاعلها الدائم والسلبي مع الفنون التعبيرية المتطرفة في حداثتها.
واذا كانت التوجهات التربوية الحديثة، تطالب بإعطاء الطالب حريته، حتى ينتج عمله دون أن يكون مقيداً بأي ظروف خارجية، فإن هذه الحرية يجب أن تمارس في إطار كل مرحلة على حدة، بدلاً من القفز المجاني غير المنتج لأي إبداع أو فن صادق وسليم.
ونأمل أن يصبح هذا المعرض تقليداً سنوياً، يمتلك القدرة على الإحاطة بأحدث أعمال الفنانين المنجزة خلال عام، وأكثرها واقعية وأكاديمية وقوة ومتانة وأصالة، وتعبيراً على خط الفنان الأسلوبي التصاعدي، ومدى ارتباط عمله بثمرة أو خلاصة بحثه التشكيلي والتقني.
وحين يتم الاهتمام بعرض لوحات لأسماء جديدة فهذا يعني المزيد من الرعاية للمواهب الشابة، على أساس أن الجيل الجديد هو الذي سيحدد مستقبل فنوننا التشكيلية، والعمل المشترك يفتح باب الجدل والسجال، ويؤدي إلى تبادل الخبرات والمواقف والأفكار والآراء.
والجماليات التي نجد تجلياتها في هذا المعرض تتركز حول مدى تفاعل الفنون الشابة ( من الأساتذة والطلاب ) مع تأملات التراث الشرقي في خطوات انفتاحها على عوالم الرسم والحركة والمساحة.
والمعرض متنوع في مواضيعه وتقنياته وأساليبه، ويطرح مواصفات أكاديمية وواقعية ، وصولاً الى الانطباعية المقروءة في غنائية الأنوار المتراقصة في الطبيعة، والمتنقلة أيضاً على بعض الوجوه والأجساد والعناصرالأخرى.
بكل التقنيات والمواد ( وخاصة الزيتي والأكريليك على الكانفاس).
واللافت أن معظم المشاركين والمشاركات يركزون لإضفاء المزيد من الدقة في سياق البحث عن خصوصات أسلوبية صادقة، وإيجاد القوة الإيحائية في عناصرها المتفاعلة مع أشكال الواقع من عناصر طبيعية وإنسانية وحيوانية ونباتية وعمارة قديمة، مروراً ببروز مظاهر الأجواء الطفولية، بحركاتها المتنوعة.
كل ذلك يفتح مساحات اللوحة على مواضيع مستمدة من التراث العربي والزخرفي، مع التركيز على الألوان العفوية والتلقائية، في بعض الأعمال، بضربات متتابعة ومتجاورة ومشحونة بالأحاسيس وبالمشاعر الداخلية، وضمن صياغة فنية لها علاقة بالإشراق الضوئي المحلي.
ورغم تفاوت المستويات الفنية والتقنية في هذا المعرض، وهذا أمر طبيعي في كل معرض جماعي، فإن لوحات المشاركين تبرز كقصائد حب لأجواء التراث والماضي، فالإيقاع اللوني هنا في مستوياته المختلفة يوحد قصيدة العشق البصري، ويظهر الهواجس المشتركة التي تعني الانتماء إلى أرض مميزة بتاريخها وبتراثها وبعطائها الخاص والمميز، والبقاء في خطوات مزاولة الرسم والتلوين في إطار ألوان وأضواء وأنوار الواقع، يظهر الوهج اللوني القادم من ذاكرة العين ومخزونها البصري الشرقي والعربي تحديداً، وهذه العناصر اللونية الشرقية والإشارات التراثية وجدناها في أعمال أكثرية العارضين والعارضات.