سرقت قوات المصانع والآلات، دمرت البنى التحتية، المدارس المشافي المكتبات، مدن سويت بالأرض، لم يبقَ إلا النساء والأطفال، فني الرجال بفعل الحرب، الباقون شيوخ وبقايا بشر، انتشر الانتحار بينهم من جراء مفرزات الحرب الضاغطة ما دمر النفوس ونشر الكآبة.
كان لابد من إعادة البناء، صارت النسوة قادة المرحلة، لابد من جمع الأنقاض، وتوالف الكتب والورق من تحتها، رممت البيوت وفتحت المدارس في العراء، السبورة أضحت بقايا الجدران حملت شعارات تبث الأمل وتحث على العمل، أجَلُّها:لا تنتظر حقك ابحث عنه وخذه بكلتا يديك.
افعل ما تستطيع.. ازرع الأمل قبل القمح.. عشر من السنين ما بين 1945ـــ 1955 أعيد بها لألمانيا وجهها الألق.. استمر الإعمار وتعزز الأمل بالنجاح، والإيمان بأن لا مستحيل مع الإرادة، ألغيت العطل الرسمية وأضيفت ساعات عمل مجانية تحت شعار: ساعة من أجل ألمانيا.
النساء أطلقن على أنفسهن نساء المباني المحطمة.. مؤسسة وجدانية نذرت نفسها لاستعادة مكانة بلادها رغم أنف الحلفاء.. عام 1954 فازت ألمانيا بكأس العالم وأصابع أقدام اللاعبين تخرج من أحذيتهم.. متحدية أحذية (الماركات المسجلة) فالمهارة بقدم ترتدي الحذاء وليس فيه.
من عام 1955 ـــ 1965 بنيت المصانع تحت شعار (جدية + أمل) من عام 1955 ـــ 1975 ظهرت رؤوس الأموال ورجال الأعمال، دُرِّبَ الشباب والشابات.. بُثَّ الأمل والإصرار على استعادة ألمانيا حقها وأهلها، ومضت في التطور والتقدم والارتقاء وصارت بين الأمم المتقدمة.
عاشت سورية سنوات الحرب ضد الإرهاب، بما يشبه سني ألمانيا العجاف، أما آن لنا أن نفعل ما بوسعنا لِنُبْعَثَ من جديد.. إلى أين تأخذنا الأيام ونحن نطويها والكثير الكثير منها يطوينا بلا هوادة غير عابئ بإنسانيتنا..
أما آن لنا أن نستفيق بعد أن صَعَقَنَا البعض برذائله خلقاً وأخلاقاً ونحن من كنا نظن أن جدران حصانة شعبنا لا تُخترق، صدمنا حين وجدنا في هذه الجدران ثقوباً كثيرة، تسللت منها ريح الموت والدمار المتخفي بأثوابٍ شتى بحجة الفاقة والبطالة.
بدأ التحول الفكري يتوارى خلف مسميات متباينة، ما بين الهوس والحقد، مدنية مزيفة ودينية متطرفة.. وكانت الضريبة الكبرى من دماء وأرواح أبنائنا البررة.. هل يمكننا اليوم بلسمة جراحنا باستفاقة توقظ فينا الإرادة التي تتحدى المستحيل، لننهض كالعنقاء من تحت الرماد.
استفاقة لابد منها نعيد فيها ترميم أنفسنا، وتنقية فكرنا المخترق، وأيدينا تعمل بالوقت ذاته لترميم بُنانا التحتية، وإحياء ما سُرق منا.. مصانعنا ومعاملنا، لتدور عجلة اقتصادنا الوطني، وتنحسر البطالة، فتنتعش حياة الأسرة السورية..
ولابد من محاسبة الفاسدين بيد من حديد، وذاتها تمد الذراع حتى الإبط فتشد على أكفِّ الوطنيين الغيارى، الذين يسعون بصدقية متناهية لاستعادة الألق لسورية الجميلة، معشوقنا الأوحد.