الثورة – لميس عودة
تمعن واشنطن في اتباع سياسة حافة الهاوية ونزع صواعق التهدئة الدبلوماسية في تعاطيها مع الملفات العالمية الحساسة والشائكة، فتعكير صفو العلاقات الدولية وتوسيع الشروخ و التصدعات في جسور الحوار والاتفاقات بين الدول، والشد على أيدي النازيين الجدد في أوكرانيا، ودعم نظام تايوان الانفصالي لتهديد الأمن الاستراتيجي لكل من روسيا والصين هو غايتها المنشودة.
وفي هذا السياق فقط يمكن قراءة الزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان وأهدافها المتمثلة في رمي المزيد من حطب التوتر والفتنة في مرجل الأحداث لإرباك الأوضاع في الشرق الآسيوي.
فالسياسة الأميركية العدائية تجاه الصين باتت جلية لا تكتنفها ضبابية وإن حاولت إدارتها الحالية المواربة والخداع وادعاء أنها مع مبدأ “الصين الواحدة”، وادعاء الالتزام بها، فالسلوكيات الاستفزازية على الأرض التي عكستها زيارة بيلوسي وتكثيف ضخ الأسلحة إلى تايبيه لتوتير الأجواء، تكشف النيات المبيتة أميركياً لزعزعة الاستقرار، وتندرج ضمن المساعي الأميركية المحمومة لتفجير الأزمات وإشغال الصين بحماية أمنها القومي وصون وحدة أراضيها.
الصين تدرك الغايات الأميركية من وراء الاستفزاز الأميركي ورفع منسوب ضخ الأسلحة لتايوان، لذلك حذرتها من اللعب بالنار، فتايوان جزء من أراضي الصين الواحدة، مؤكدة أن الجيش الصيني سيتخذ إجراءات قوية لإحباط أي تدخل خارجي من أجل انفصال تايوان، وأكد السفير الصيني في واشنطن تشين جانغ أكثر من مرة أن بلاده ستتخذ إجراءات صارمة لحماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها ضد أي مساعٍ انفصالية من قبل تايوان، وعارضت بكين مراراً الأنشطة الانفصالية والتدخلات الخارجية في ملف تايوان وأبدت استنكارها لتضخيم مرور السفن الحربية الأميركية عبر مضيق تايوان.
اقرأ في الملف السياسي..
“تشاينا ديلي”: هكذا خاطرت واشنطن باللعب بورقة تايوان
فسياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه أزمة تايوان هي مواصلة تسعيرها وتحدي الشعور الوطني الصيني، والمفارقة الصارخة أن الغرب الذي تتزعمه أميركا يقر قانونياً بمبدأ” الصين الواحدة”، لكنه يواصل تشجيع تايوان على التمرد والخلاف مع بكين، وكأنه يريد التضحية بتايوان في حربه الباردة.
إذاً الحبال التي تلعب عليها واشنطن لعبتها الاستفزازية التصعيدية ضد الصين مهترئة جداً، فالصين قوة عظمى لها ثقلها السياسي والاقتصادي وحتى العسكري النوعي، وتمتلك من أوراق مشروعية ما تستطيع فرده بقوة على طاولات القانون الدولي الذي يقر بمبدأ الصين الواحدة، إضافة إلى أن الصين الشريك التجاري الأول لأميركا، والاقتصاد الأميركي الذي يترنح على وقع الأزمات تشكل الصين عصبه وركيزته الأساس، هذا عدا عن تحالفات بكين الإستراتيجية المتينة والممتدة على اتساع الخريطة الدولية، كما يمكن للصين تعطيل حركة التجارة الدولية والشحن في مضيق تايوان الذي سيؤثر سلباً على سلاسل الإمداد العالمية، لاسيما بعد تأكيد بكين أن المضيق ليس “مياهاً دولية”، كل تلك وغيرها نقاط قوة تمنح الصين ثقلاً نوعياً في ميزان القوى العالمي.
فالصين اليوم ورشة التصنيع في العالم، والمحرك الأول لنمو الاقتصاد العالمي، وخوف أمريكا من صعود الصين مرده إدراكها العميق لقدرات الصين الهائلة وما تمتلكه من إمكانات مادية وبشرية وجيوسياسية، فبكين تمثل منافساً اقتصادياً وجيوسياسياً يتحدى الهيمنة الغربية، ويسحب بساط القطبية الأحادية من أميركا، لذلك تلهث واشنطن لتفجير الأزمات وجعل تايوان خنجراَ في الخاصرة الصينية.