الثورة – ترجمة – رشا شفيق غانم
بحلول الوقت الذي وصلت فيه رئيسة مجلس النواب الأمريكي – نانسي بيلوسي – إلى تايوان في الثاني من آب الجاري، كانت الثقة الهشة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية قد تهشمت.
لقد فعلت بكين ما بوسعها للتحذير من العواقب الوخيمة، مع إدارة المشاعر القومية للشعب الصّيني، حيث أطلقت تحذيرات صارمة عبر قنوات مختلفة، في حين أنّ بعض دول الجوار للصين أعربت عن قلقها.
ولكن كلّ ذلك لم يلق إلا آذان صمّاء، ففي الوقت الذي هبطت فيه بيلوسي إلى تايبيه، كانت الثقة المتزعزعة بين الولايات المتحدة والصين قد تلاشت تماماً، وذلك لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد غيرّت الوضع الراهن لتايوان بشكل أحادي.
فالدرس الذي تعلّمه الشعب الصيني من ذلك، بأن لا يتوهم أبداً حيال نيات أمريكا، بعدما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن وعودها التاريخية بشأن تايوان.
وجراء ذلك، قد اضطرت الصّين للتصرف مباشرةً، معلنةً عن سلسلة من العمليات المشتركة لجيش التحرير الشّعبي حول تايوان، ويتضمن ذلك صواريخ تحلّق عبر جزيرة تايوان، وعمليات جوية وبحرية في ست مناطق تحيط بشاطئ تايوان.
إنّ الإجراءات التي اتخذتها بكين، لم تكن فقط رد فعل لتراجع الولايات المتحدة وتحذير لقوات ” تايوان الانفصالية “، ولكن، وبنفس الوقت، كانت أيضاً رد فعل من أجل الشعب الصيني، والذي – وبأغلبيته – شعر بالغضب والإذلال بسبب الدعم الفعلي الأمريكي لانفصال تايوان.
اقرأ في الملف السياسي..
ما وراء الأكمة.. التنافس الاقتصادي والحرب التجارية!
كانت زيارة بيلوسي لتايوان بالنسبة لمعظم الصّينيين، كما الحال في هجوم بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية بالنسبة للأمريكيي، قبل الهجوم، كانت الولايات المتحدة منقسمة بشأن اليابان- المشترِي الأساسي لفولاذ أمريكا ونحاسها ونفطها، ولكن بعد الهجوم، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد توّحدت. وهذا هو ردّ الفعل ذاته للشعب الصيني جراء زيارة بيلوسي لتايوان، بينما يدعو البعض منهم إلى الإجراءات الأكثر حدّية.
والآن، حان الوقت المناسب لكي تبدأ الصين، وبشكل شرعي، عملية مناهضة للانفصالية وإعادة التوحيد، حيث يعتقد الكثير في الغرب بأنّ بكين غير قادرة الآن إعادة ضم تايوان، ولكن، وبالنظر إلى تاريخ الصين المعاصر، هل كانت الصين مستعدة على مواجهة الولايات المتحدة في الحرب الكورية؟. وهل كان جيش التحرير الشعبي مستعداً على الإطلاق لأي من حملاته العسكرية الكبرى منذ تأسيس الصين الجديدة؟.
ولكن لا نقول، بأنّ الصين ستقوم بذلك من دون استراتيجية مناسبة، فإنّ التدريبات العسكرية المشتركة للقيادة الشرقية في ست مناطق، إلى شمال، غرب، جنوب، وشرق تايوان تشير إلى بعض الاستراتيجيات الممكنة.
سواء أكان ميناء كيلونغ في الشمال، أو ميناء كاوشيونغ في الجنوب أو القواعد العسكرية بينهما، فإن تايوان محاطة بمناطق التدريبات، في الشمال، هناك منطقتان متجاورتان لأوكيناوا لصدّ التدخل الأمريكي والياباني، بينما من المقرر أن تستعد المنطقة الشرقية لرد عسكري أمريكي من غوام، وستستعد المنطقة الواقعة في أقصى الجنوب للاستعداد للقوات الأمريكية القادمة من بحر الصين الجنوبي والفلبين عبر قناة باشي، وهذا يسمح بفرض حصار جوي وبحري كامل على تايوان.
إنّ اقتصاد تايوان قليل ومفتوح يعتمد على التجارة الدولية، حيث يمكن للبر الرئيسي أن يحذر السلطات التايوانية بفرض حصار قصير، ولكن إذا ازداد تدهور الوضع في مضيق تايوان، فقد يستمر هذا الحصار لفترة أطول لقطع الإمدادات الاستراتيجية تماماً. في الوقت الحالي، يمكن أن تدوم احتياطيات النفط والغاز في تايوان لفترة محدودة فقط.
إنّ رد فعل بكين الحالي هو تجنب مؤامرة بيلوسي لجعل تايوان فخاً شبيهاً بأوكرانيا بالنسبة للصين، محاولةً بذلك جرّ بكين إلى حرب طويلة الأمد لا تكون مستعدة لها بعد، وبدلاً من ذلك، اختارت بكين اتخاذ خطاً ثابتة للحصول على سيطرة فعلية على تايوان وذلك بإبطال الخط المتوسط في مضيق تايوان والمنطقة المحددة لقوى تايوان الجوية.
في العقد الماضي، تمكنت بكين من لعب لعبة الصبر عندما واجهت استفزازات على السيادة، فهي دائماً ما تنتظر حركة الخصم قبل الرد في اللحظة المناسبة.
وقد نجح هذا في بحر الصين الجنوبي وجزر دياويو، حيث حافظت بكين على هدوئها وسط الاضطرابات الاجتماعية في هونغ كونغ، ولم تتخذ سوى بضع خطوات حاسمة لتحقيق الاستقرار في المدينة، وبالنسبة لتايوان، فإنّها ستفعل الشيء ذاته.
بالنظر إلى الصورة الأكبر، التي تواجه الاحتواء الشامل من الولايات المتحدة، يجب على الصين أيضاً التفكير في استخدام الأسلحة الاقتصادية أو حتى العملة ضد الضغط الأمريكي، لن تكون الولايات المتحدة ممتنة أبداً لو تمكنت الصين من تلبية جميع مطالبها، على العكس من ذلك، سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد من الموارد لاحتواء الصين إذا تمكنت من التعافي بمساعدة الصين.
وبالنظر إلى ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، يمكن للصين أن تفكر في فعل العكس تماماً – خفض أسعار الفائدة وزيادة المعروض النقدي لتحفيز الاقتصاد.
لا داعي للقلق كثيراً بشأن التدفقات الخارجة لرأس المال الأجنبي من الصين، لأنه نظراً لارتفاع التضخم، فإن أسعار الفائدة الحقيقية سلبية في الولايات المتحدة.
هذا ويمكن للصين أيضاً أن تنظر في السماح لليوان بالارتفاع مقابل الدولار، والاستفادة من الاتحادات الصناعية لجعل جميع الصادرات إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة، للتأكد من أن الولايات المتحدة لاتمرر التضخم إلى الصين.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تفكر بكين في ربط دولار هونغ كونغ بسلّة من العملات، تماماً مثل الدولار السنغافوري، لتقليل تأثير الدولار الأمريكي على هونغ كونغ.
المصدر:
صحيفة جنوب الصين الصباحية