تزداد يوماً بعد آخر وتيرة وحركة معارض رسومات الأطفال في دمشق والمدن السورية، وخاصة التي تقام تحت رعاية وزارة الثقافة، والتي تأتي بتشجيع من بعض الأسر المتفهمة لدور الفن في الارتقاء والتقدم، بعد أن تخضع أصحاب الأسماء الطفولية الراغبة في الإنتاج والعرض لدورات في الرسم والتلوين، وهذه ظاهرة حضارية نأمل أن تستمر وتتواصل، ولقد ثبت على مر العصور أن الذي يبقى مشرقاً من حضارة أية أمة هو فكرها وفنونها.
والتوجهات التربوية الحديثة، تركز على ضرورة إعطاء الطفل حرية تامة في خطوات إنجاز رسوماته، حتى يرسم بصدق مطلق، بعيداً كل البعد عن مظاهر التصنع والتكلف، وعدم تقييده بأي رقابة أو قواعد جامدة، لأن الأطفال يحتاجون لسنوات من التدريب حتى يتقنون الرسم الأكاديمي والواقعي والكلاسيكي، وأساتذة الفنون يدركون هذه الناحية، لأنها من بديهيات الأسس التربوية المعاصرة .
وأنا في الأساس مهتم برسومات الكبار التوضيحية الموجهة للصغار، وبمتابعة معارض الأطفال، لأن فيها لوحات من كل المدارس الفنية الحديثة والمعاصرة، من التجريد الغنائي والهندسي الى التكعيبية مروراً بالواقعية الحديثة والتعبيرية والخيالية والرمزية والتشكيلات الزخرفية والحروفية وغيرها.. وهذا يعني أن الطفل يتذوق هذه المدارس الفنية الحديثة، ويجسدها في لوحاته (عن غير قصد) وقبل أن يسمع بها، أو يعرف معناها، وهنا تلتقي فنون الأطفال مع الفنون الفطرية لأنهما لا يرتكزان على ثقافة فنية أو قواعد أكاديمية، إلا في حالات استثنائية.
واللافت أن معظم الأطفال يعملون عن غير قصد لإضفاء المزيد من العفوية، والتحوير، والتلخيص، والتبسيط، في سياق رسم الطبيعة الحية، والصامتة، والعناصر الإنسانية، والحيوانية، والزهور وغيرها، ما يعني أن رسوماتهم تبقى مفتوحة على جماليات اللوحة الفنية التشكيلية الحديثة والمعاصرة. والمعروف أن فنون الأطفال تركت تأثيرات واضحة على العديد من كبار فناني القرن العشرين وفي مقدمتهم بابلو بيكاسو .
إن اختبار قدرات الأطفال الموهوبين، المحرومين والمرفهين معاً، من دون أي تدخل من الكبار، يشكل برأي كبار التربويين المعاصرين أهم النقاط الأساسية لانتشال البراعم من متاهات الضياع، واكتشاف الفروقات الفردية المنفلتة من التأثيرات التربوية الخاطئة والراكدة والبائدة.