الثورة- أيمن الحرفي:
الطفل هو خلية تكمن فيه قدرات لا حصر لها و عوالم كثيرة تسهم في تكوين و بناء شخصيته، فالطفل مخلوق وهب القدرة على توجيه نفسه وتكوين شخصيته وتوسيع مداركه، ومصير كل طفل يتوقف على قدرته في تحديد الصورة الشخصية المتكاملة المشبعة التي تتماشى مع قدراته الجسمية و المعنوية و خيالات الفتى و أحلام اليقظة تساهم في تحديد سلوك الفتى فيما بعد..و يتجلى هدف التربية إثارة الروح و إشباعها حتى تسمو بالإنسان فوق النزوات العارضة و الأنانية فيرى العالم بما فيه من روعة و جمال .. اما عند البعض فتنحصر تربية الأبناء في تأمين احتياجاتهم من الطعام و اللباس والمصروف متناسين أن التربية اعم و أكبر فهي تشمل ما ذكر آنفا إضافة للسلوكيات و التصرفات و الأفكار والأهداف والعناية والحنان والرقابة وطريقة اتخاذ القرار و مواجهة الصعوبات و تحمل المسؤولية، و تبدو الأخيرة تتويجا لشخصية الطفل السليمة. فالتربية الهادفة هي التي تفضي لنتائج إيجابية فعالة لها مقاييس و محددات يمكن أن نقيم فيها طفلنا.. أما التربية التي تفتقر إلى الصبر و الحكمة و حسن التدبير مؤداها الفشل و خيبة الأمل. وبحسب خبراء التربية و علم نفس الأطفال “يتضاءل تأثيرنا على الأطفال بعد سن الخامسة حيث تبدأ عناصر المجتمع من مدرسة و رفاق و أقارب لتأخذ دورا أكبر و مكملا لتربيتنا فالواقع يفرض نفسه عندها علينا أن ندرك أن عملنا ليس مقصورا على تقديم السمكة لهم بل أن نعلمهم كيف يصطادونها وبتعبير آخر ضرورة تعليمهم تحمل المسؤولية”.
و لعل الوقت المناسب لذلك يتبدى من خلال استعداد الطفل ورغبته في ذلك ومن الخطأ تأجيل هذا الوقت و الاستعداد و لا يوجد سن أو عمر محدد للبدء بذلك فالابتسامة و كلمة التشجيع من الأم لطفلها عندما يرفع ذراعه ليتمكن من ارتداء القميص أول درس له بالاكتفاء الذاتي و بالتالي تحمل المسؤولية.
و يرى بعض الخبراء أن البداية تكون عندما يظهر الرضيع استعداده للانصراف عن زجاجة الإرضاع و ميله للشرب من الفنجان أو تناول الطعام بشكل سائل هو الوقت الذي يجب استغلاله و استثماره . فنبدأ بتشجيعه بالوقوف بدلا من الزحف و تشجيعه مع مرور الأيام و السنين بأن يساعد الأسرة في ترتيب المنزل و تكليفه بأشياء على قدر عمره ليشعر بأنه عضو مفيد ونافع فننمي فيه روح التعاون والمسؤولية.
و يحذرنا الباحث الاجتماعي و التربوي عبد العزيز الخضراء في كتابه ( مسؤولية الآباء في تنشئة الأبناء ) من ان قيامنا بجميع الأعمال للأطفال قد يصل بنا إلى أدائها و لو بلغوا الثامنة أو العاشرة فيستعذب الطفل خدمة الآخرين له ويصبح اتكاليا عندها سيفشل مستقبلا بالوفاء بالتزاماته وواجباته . ما الحل إذا”؟ أشياء نتعرض لها في حياتنا كأن تطلب ابنتنا و هي في السابعة أو الثامنة ان تعد الفطور الصباحي مثلا أو ان يطلب ابننا بنفس العمر إصلاح شيء في البيت . ما المانع إن كان بإشرافنا حتى لو أدى ذلك إلى بعض الأخطاء و العثرات . لا يمكننا تخيل السعادة التي يعيشها الطفل الذي كلفه ابوه بالإصلاح بإشراف والده ومساعدته ، هذه العملية وأشباهها ستجعله متحملا للمسؤولية قادرا على مواجهة الحياة بصعوباتها ليعيش حياته سعيدا بحلوها و مرها .. كلما سمحنا لأطفالنا بتحمل المسؤولية ساعدناهم في بناء ثقتهم بأنفسهم وزدناهم قدرة على مواجهة مواقف جديدة أكثر صعوبة تتناسب و أعمارهم أو تزيد قليلا .
واخيرا يقول د. جايمس دبسون: ( إن اروع نظرية على الاطلاق لضبط السلوك والتصرفات هي المسماة بقانون (التعزيز ) التي وضعها (ثورندايك ) فهي نظرية رائعة لأنها عملية وزاد من أهميتها ما قام به د.ف.سكنر الذي عرف المبادئ والظروف التي يعمل فيها المبدأ على نحو أفضل يقول التعزيز بكل بساطة ” كل سلوك يحرز نتائج مرغوبة يتكرر حتما ” بتعبير أدق: إن أعجب الفرد بما نجم عن تصرفه فسيميل إلى تكرار العمل “.
التالي