الثورة- رنا بدري سلوم
لا يعرف الأديب الروائي حسين عبد الكريم أن “يفترق عن جنون القصيدة ” فهو لا يريد العناوين المتسكّعة في شوارع اللغات، “أقطف صيفاً صغيراً، بسيط الملابس من حواكير الشتاء، أعرف جيلاً من القصائد وعصوراً من المراهقات وآتي إلى كحل النساء، مفرداً أخشى عليّ من المفردات، يبدعن في المحابر جرح الكتابة وملح الدلالات عيونهن الدواوين والروايات” بهذه الإبداعات صِيغت رواية ” شرس ٌ هذا الشتاء يا حبيبتي ” إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب، ومن تلك الدلالات أيضاً يكتبُ الروائي أدبه النثريّ وسرده القصصيّ، مبدعاً في إتقانها شكلاً ومضموناً ولغة صاغها بحبر وجدانيّ ملفت.
فقد تضمنت الرواية شخصيات رئيسية وثانوية من شخصيات فنيّة أدبيّة وثقافيّة مرّت في حياة الراوي فتركت في ذاكرته أحاسيسها واندفاعاتها، وانفعالاتها ودواخلها التي تميزها فيما بينها، ومن يقرأ أحداث الرواية يدرك تماماً أن الراوي يكتب بشهامة الأغصان وأحلام المطر والبساتين وضحكة أشجار الضلوع، يكتب برمزيّة شديدة العمق والمعاني وباطنية التأمل والأثر، بسيطة التراكيب والمفردات، يتحيّر بإعجاب قارؤها هل هي رواية أم شعر؟، هكذا اعتدنا على الأديب حسين عبد الكريم وعلى لغته المتفرّدة التي لا تشبهها أي لغة.
يأخذنا الراوي في عنصر المكان بدءا من حواكير الضيعة والكروم وصولاً إلى المدينة/ دمشق/ التي حلّ ضيفاً فيها، ولم تكن له إلا أمّاً عجيبة لا تعرف أن تشيخ في يدها الفصول” هذي الدمشق: أجمل من كُحلها، كُحلها.. كلها بصر يعمى حنين كثير من كثرة الضيق والويل، شهامة تزرع الازدهار في بيادر الآتي، وتبقى عيون النساء، لا تودُ أن تنكسر رغم حجم الانكسار، الأرصفة قصائد حرّة مقيّدة الغبار.. الشتاء لا يبدل أمطاره باليأس ..عند قلبه الجميل المزيد من الدفاتر للكتابة وعنده المحابر “.
أما عنصر الزمان فتساءل الراوي بفاكهة التفاؤل: هل نكون أُجراء بؤساء عند الزمان ؟!” ليس من حقنا اليأس، وليت عندي كحلاً يكافئ حرف غيمة في كتاب البحر، مع أني قارئ معجب بحبر الريح ودفاتر العواصف أجيد الكثير من التحيات من دون تجريح، اللاذقية أبد في الأشواق العاتية، كاهنة تعجن الوقت بالمعاني وليل المشتاق ببياض الأشواق لا تنام أمنياتها ، كل أنثى ديوان غرام”.
يستحضر الإعلامي حسين عبد الكريم أيامه التي جمعته بالكتّاب وصحيفة الثورة التي ترأس ملحقها الثقافي في مصادفاته الجميلة شهامة الزمن، “في الأيام المجاورة للدهشة، والعشق المتهم بالكثير من التردد والقليل من الجرأة الغرامية، التقيت عند محمد الماغوط بالياس فاضل قال لي الماغوط : إلياس صديق قديم يكتب شعراً جميلاً!. أشكر محمد الماغوط الصديق الكبير للمجانين الكبار، المبصرين المحبين أنه أهداني صداقة/ إلياس فاضل/ هذا الشاعر ، وبقايا لوحه المكسور ..التحيات / لملحق الثورة الثقافي / يجمعني بالأحلام العالية، التي من دون / أظافر/ حتى ملحق الثورة بصفحاته ال24/ 16/ صفحة بالأبيض والأسود، /8/ صفحات ملونة ليس لها أظافر في عليّة” .
لم يخرج الروائي حسين عبد الكريم في رواية ” شرس ٌهذا الشتاء يا حبيبتي ” وكما اعتدنا، من لغته الإنسانية التي تفيض عشقاً وأنوثة وأمومة ” يأمر تلك العاشقة في ” رجل من سلالات الكروم.. حوله امرأة من ينابيع ” “اعتنِ بنفسكِ في عتم المحنة والأدباء اعتنِ / بمزاحِ الريح كرمى النسمة الزاجلة.. تحمل مني إليكِ تحيات الكروم”.
تتضمن الرواية نحو 621 صفحة من الصور الجمالية الشعرية والنثرية، فالواقع عند الروائي حسين عبد الكريم أصغر من قامة الشاعر، والشهامة عنده كالحب، لا يحني قامتها الزمن العاطل، نداء الإنسان الحقيقي فيه، حقيقة تتمرّد على النداءات الدنيئة المفصولة من دروس الحياة الكريمة وما أكثر عِبرها الفكريّة والفلسفيّة في تلك الرواية، التي لم تكن الأولى من نوعها في غرس المضامين الأخلاقية بتواضع النبلاء، بل اعتدنا تألق الأديب حسين عبد الكريم عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب الذي يعد من أبرز الكتّاب السوريين، فقد نالت روايته “الطاحونة” الصادرة عام 1993جائزة في مهرجان “القاهرة” نصاً وإخراجاً عام 1994، ونذكر من مؤلفاته في مجال الرواية “شجرة التوت”، و”النبع”، و”حارة المشتاقين”، و”البساتين”، التي أُعدت مسلسلاً تلفزيونياً، و”حطابون في غابات النساء” تأبين ملوك الازدهار””أنوثة بالعامية لا تتلعثم بالفصحى”، أما في مجال القصّة فقد صدر له “الوطن لا يشبه التافهين” “لا يتسع لغير الخوف”، و”مهابات الصدأ”، وفي مجال الشعر صدر له دواوين “ظل عيني غيمة وسفر”، و”لأنك تشبهين القصيدة و”أين شجرة الوطن يا أبي”.