الثورة – أحمد صلال – باريس
يجد الممثل المصري جورج فهمي نفسه مختاراً للمشاركة في فيلم تُشرف عليه الحكومة العسكرية،بعيداً عن الدوائر السياسية، يكتشف صراعات السلطة وشبكات النفوذ.
ومع ذلك، عليه أن يحرص على ألا يُحرق جناحيّه؛ هكذا هي أجواء الفيلم الثّاني في مهرجان كان “نظرة ما”، والذي تستعرض صحيفة”الثورة” في باريس حصاده السينمائي.
بعد فيلميّ “حادث النيل هيلتون” و”صبي من الجنة”، يعود طارق صالح ليلتقي بممثله المفضّل، فارس فارس، في فيلم “نسور الجمهوريّة”.
ورغم أن عنوان الفيلم أقل صراحةً من سابقيه، إلا أنه يُركز مجدداً على المجتمع المصري وتجاوزات حكّامه.
إلا أنّ هذا الجزء من الفيلم، الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي العام الحالي ضمن سياق”نظرة ما”، يبدأ بقبلة في سيارة مكشوفة.
لكن هذه هي الصور التي يلتقطها بطل الفيلم، جورج فهمي، الممثل الأكثر شعبية في الوقت الحالي.
إنه شخص وسيم، ثري، كلّ مخرج يرغب بالعمل معه، وكلّ امرأة تحتضنه، السياسة أبعد ما تكون عنه.
وعلى أي حال، فإن شهرته تحميه من مكائد النّظام الاستبدادي. إلى أن يأتي يوم يطرق فيه أحدهم بابه طالبا منه التمثيل في فيلم يُمجد القائد. بين الإثارة السياسيّة والتصوير الحميم، يتردّد الفيلم.
والنتيجة، الأقل تأثيراً مما قد يتوقّعه المرء من طارق صالح، لا تنجح أبداً في إيجاد إيقاعها الذي يجذب المشاهد تماماً إلى القصّة. لا شك أن موهبة المخرج تجعل هذا العمل الدرامي يضاعف اللحظات المعلّقة، والمشاهد السينمائيّة البحتة التي تلامس الأناقة، لكنه يفتقر إلى ذلك العنصرالبسيط الذي يجعل الوصفة مثاليّة وتتجاوز فكرتها الأولية المثيرة.
وكأن الكاميرا مغرمة بشخصيّته أكثر من اللازم، ينسى الفيلم الأدوار الثانوية، ويحصرها غالباً في نماذج أولية شائعة جداً في هذا النوع (المرأة الفاتنة، والجنرال الشرير، والرئيس الكبير العليم).
يتأرجح فيلم “نسور الجمهورية” بين الكوميديا الإيطالية والرواية، ويكافح أحياناً للحفاظ على مبدأه التوجيهي، ألا وهو تغليب عذابات البطل الداخلية على سياقها، ولعلّ ذلك يُمثل إشكاليّة حقيقيّة في حبكته لتأكيد رسالته النضاليّة.
انطلاقاً من هذا العهد مع الشّيطان، يُنتج طارق صالح في النهاية سرداً تقليدياً نوعاً ما، فكاهيّا أحياناً، نادراً ما يكون مُزعجاً.
لكن في كل مرة يظهر فيها العنف، يكون ملفتاً للنظر، نظراً لتقلبه، وبرودته، وتكراره.
في مصر، الفساد مُنتشر، والقتل المُأجور ، والإفلات من العقاب يسود.
لا شيء ولا أحد بمنأى عن ديكتاتوريّة تُعيد باستمرار فرض سلطات جديدة.
لم يكن منهجه في “الموت في الجحيم” بلا قيمة: فبالنسبة لطارق صالح، يجب أن تكون السينما شاهداً حكما على ما يحدث في وطنه. وهو يُثبت لنا ذلك بدقة.
جورج يُجسّدنا جميعاً.. إنه فيلم عن رجل ينحني حتى ينكسر، جميعنا ممثلون، ولكلّ منا دور في حياته، وإذا كشف أحدهم عنا، يكون الأمر مؤلماً للغاية ونجد أنفسنا مكشوفين. لكننا على الأرجح سنفعل الشيء نفسه الذي فعله جورج في الفيلم.
إنه أكثر من تعاطف معه، ولكن أيضاً مع شخصيّة الدكتور منصور”عمرو واكد؛، المخرج الحقيقي للفيلم داخله، الشخص العجوز بالغرفة، الذي يضطر أحياناً إلى القيام بأشياء غير سارة لإنجاحه، والذي يحافظ على الاستقرار.
أما الدور الأكثر قسوة فهو دور المخرج الرسمي الذي لا يُسمح له بممارسة عمله بحريّة.