قبل كل شيء اعترف بأننا نعاني من تداعيات الحرب الظالمة على بلدنا التي أفرزت آثاراً سلبية على الفرد والأسرة السورية، ومع كل ذلك أرى نفسي دوماً أنظر إلى الجزء (المملوء) من الكأس مهما كان قليلاً وأتفاءل به.
ما أتفاءل به هو الأمل أو بصيص ضوء يتأتى بجهد غير مدعوم وغير ممنهج وليس لخطط المؤسسات شأن به؟.
هذا هو شأن السوري نفسه الذي برز خلال هذه الأزمة وفي كل مناحي الحياة، وكما ذكرت لا شأن لخطة وزارة أو مؤسسة في إبرازه، بل جاء عفوياً كعفوية السوري نفسه، وكل ما حصل أن ضيق العيش وتحديد الهدف والعمل المتقن صنع من السوري نجماً في ميادين كثيرة منطلقاً من خميرة سورية لا تباع ولا تشترى لأنها من نعم الله علينا.
وهنا سأستعرض بعض الصفات السورية التي دقت آذان العالم وشعوبه وجعلته يستمع ويرى بعضاً من مهارات وتميز السوريين وقدرتهم على تطويع الصعاب والانطلاق إلى الواجهة، وفي التفاصيل أذكر:
في اللهجة السورية
نعم تمكنت الدراما السورية من أسر عشرات ملايين المتابعين للأعمال الدرامية لأنهم تعرفوا على لهجة تحاكي العربية الفصيحة برقة ونعومة ومفردات (سورية) تختصر جملاً تلتقطها الأذن ليتلقفها القلب ويفرد لها المساحة المفتوحة لمفردات وقصص وجماليات أكثر كلها مسورة بالورد الشامي وعطر الياسمين وطبيعة بلاد الشام النقية والجميلة.
أذكر هنا أن الأتراك عندما توجهوا إلى استديوهات الدبلجة باللهجة الشامية لم يكن الأمر قضية جوار وحسب بل كانت معرفتهم اليقينية أن هذه اللهجة هي الأنجح لتسويق أعمالهم الفنية في الفضاء العربي وبالفعل نجحوا في ذلك ونافسوا الأعمال الفنية العربية وكان سلاحهم الأهم هو اختيار هذه اللهجة…
بعد اللهجة أستعرض دوماً بيني وبين نفسي النجاحات التي يحققها السوريون في مجالات لم نكن نعيرها اهتماماً في السابق ولنأخذ أمثلة على ذلك:
في الجمال
في ميدان الجمال (السورية) مصنفة من أجمل جميلات العالم وإذا أضفنا إلى جمالها الذوق في توليفة ألوان لباسها لكان ذلك علامات إضافية إلى الجمال، هنا أعود بالذاكرة إلى عشرات السنين السابقة أي قبل تفشي المال والماركات العالمية في أسواقنا وكيف كانت الأنثى السورية تصنع موديلاتها بأبسط أو أغلى الأقمشة والتفصيلات ليسحرك ذوقها أكثر من جمالها.
هذه الأيام نحن الآن أمام ظواهر أخرى أكثر أهمية فها هو المطبخ السوري يطيح بمطابخ العالم ويغزوها في عقر دارها ويتفوق عليها وسلاحه الذوق والجودة حتى بدأ يتعرض إلى إزعاجات في الدول التي أثبت نفسه عليها سيداً منافساً متقدماً في ميدان الطعام، وهنا أضيف إلى النجاح السر وهو اللهجة والذوق ولا ننسى وسامة العنصر البشري وأريحيته في كسب الزبائن بالخيارات الكثيرة ورفعه لحاسة التذوق لديهم بعيداً عن الاستعراض.. والسوري في الإطعام يشدك في تعاطيه بالكلام لكنه يأسرك في التذوق.
في العلم
تسعدني الأخبار التي تتوارد دوماً عن مبدعين سوريين في مختلف ميادين الحياة حيث يتقدمون الصفوف ويحققون مراتب علمية يتفوقون بها على أقرانهم وهنا القائمة تطول وأنا شخصياً يسعدني هذا الأمر وكل ما سبقه ويجعلني أكثر إيماناً وثقة بأن شمس بلاد ستبقى متوهجة في هذا العالم.
وأختم هنا بموقف سوري إنساني أبهر كل من تابعه وهو: أثر وتأثر السوريين بوفاة رئيس نادي تشرين الرياضي (رحمه الله) هذه الشخصية التي عملت وحققت النتائج الجيدة خلال السنوات الأخيرة وفي ذات الوقت تعرضت للكثير من التنافس والخلافات مع الأندية السورية ومع ذلك وقفت وتحولت كل هذه الأندية، إدارات ولاعبين وجمهور، إلى تشرينيين في مصابهم بفقد المرحوم طارق زيني.
أنا لم أذكر الحادثة إلا بهدف الإضاءة على ثقتي بالعائلة السورية الكبيرة التي جمعها الحزن على رحيل منافس شرس على تحقيق الألقاب فقد تناسى الجميع كل الآلام والتفاصيل ليقف وقفة رجل واحد بالمشاركة في وداع هذا الراحل بالتفاف وطني عفوي (يقلع) عيون كل من أراد شراً بسورية والعائلة السورية.
ختاماً الغاية مما تقدم ليس تعداد مهاراتنا ومواقفنا وتميزنا لأنها كثيرة جداً، وفي كل الميادين، بل أن ننظر إلى أنفسنا لنعيد اكتشاف حقيقتنا الفريدة بما يمكننا من الافتخار عندما نردد “أنا سوري وافتخر”.
عبد العزيز الشيباني