الواقع وآفاق المستقبل

الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:

لا نريد الخوض في تعاريف الثقافة، وأهميتها، ودورها في بناء المجتمعات الإنسانية، وتطورها وتنميتها، ولا الخوض في واقع المثقفين وأزماتهم،فقد طُرح هذا الموضوع وكتب فيه الكتب الكثيرة، ودبجت فيه آلاف المقالات، وسنقتصر مقالنا على واقع الثقافة العربية الراهنة، وعمودها الفقري المثقف العربي اليوم.فمن ينظر في حال الثقافة العربية اليوم، سرعان ما يكتشف حالة الضعف والوهن التي تعانيه،فهي تعاني التنافر، والضياع، والاغتراب،والاستلاب، وبعدها عن قضايا الأمة الرئيسة، والإنسان العربي، وتعاني تحديات كبيرة، على الصعيدين الداخلي والخارجي،ويمكننا إجمال التحديات الداخلية للثقافة العربية بالآتي:
1-التخبط الذي يعانيه المثقفون العرب، وتبعية الكثير منهم للثقافات الغربية، وعيش بعضهم في الكهوف الغابرة، فكما نعلم أن المثقف موقف، وليس مهنة،وهو من يجهر بالحقيقة في وجه القوة، ولا يقبل بالصيغ السهلة، والأفكار المبتذلة الجاهزة، ولا تقوم لها قائمة بثقافة تسطحية،تجارية، سلعية،غنائمية، مداهنة، خانعة،وانتهازية. ولا قيمة لثقافة لا تدعو إلى الحرية، والعدالة الاجتماعية، والاقتصادية، ولا تحترم إنسانية الإنسان، ولا تواجه الطغيان والتسلط والاستلاب، فلا قيمة لثقافة ومثقف بلا قضية،ولا لون، ولا مذاق، ولا هوية، ولا انتماء له، والمثقف الحق هو من يكون داخل الفعل الإنساني، ومن يعبر من خلال إبداعه عن أوجاع الناس،وهو من يوحد بين فكره وإبداعه وسلوكه، وهو من تكون له كرامة فكرية وأخلاقية، يرفض فكرة الحياد، فلا شيء محايداً على الإطلاق، يتميز بالموضوعية والعقلانية، وتتسم أفكاره بالكفاءة النقدية، والأمانة العلمية، والنزاهة الفكرية، يؤمن بأن الثقافة عنصر مهم من عناصر تنمية الوعي البشري وتغذيته، وعليها الإجابة عن أسئلة تتعلق بمجتمعاتنا العربية ومشكلاتها، وعن قضايا عصرنا الراهن، ومساءلته، وامتحان قيمه ومفاهيمه. ومن يدقق في حال الثقافة السائدة اليوم والمثقفين في الوطن العربي يجد أنها تابعة ومستلبة، وتعاني من الوهن والضياع وذلك بسبب تشظي حال المثقفين وتبعيتهم للمدارس الغربية واتباعهم التقليد المبتذل لكل صرعة يصدرها لنا الغرب من دون دراسة وتمحيص،وإصرار بعضهم على البقاء في الكهوف المظلمة،يحارب أي بارقة ضوء جديد، فالفهم الخاطىء للحداثة وما بعد الحداثة وللتراث وغير ذلك،هو من أهم عوامل القصور وفقدان الفاعلية في الحياة العربية،ما أوقع الكثير من المثقفين في الاغتراب والاستلاب والجمود.
2-ضعف المؤسسات الثقافية وعدم امتلاكها لمشروع وطني وقومي للثقافة واضح الملامح. وإن الجهات الثقافية والمنابر السياسية في كثير من الأحايين لا تعمل على خدمة الثقافة العربية والإنسان العربي وصيانة حقوقه والنشاطات معظمها بهلواني،غايتها إعلامية، تضليلية، فبقيت هذه المؤسسات كرتونية تابعة للأنظمة منفذة لرغباتها، تاركة المثقف يركض وراء رغيف خبزه،ليأكله مغمساً بالمرارة والقهر،إذا كان مثقفاً بحق،وليس طبالاً وزماراً.
3-هيمنة النظم السياسية وصراعاتها على الثقافة، وسطوتها على الثقافة والمثقفين، فالصراعات والتناقضات بين الأنظمة العربية تنعكس على التواصل بين المؤسسات الثقافية العربية، فهذه الأنظمة التي خنقت روح الشعب وأغرقته بالشعارات وبالرعب، وفاقمت مشكلاته بالتبعية والنهب هي التي تدفع هذه الأجيال الممزقة والمهمشة إلى حلول طوباوية وإلى ردود فعل يائسة،ما أدى إلى صعوبة التواصل الثقافي بين المؤسسات والأفراد على الصعيد الثقافي وتشديد الرقابة على المواد الثقافية، باعتبارها من الممنوعات بل أخطرها، ما يعرقل انتقال الكتاب وتداوله بين أبناء الأمة.
4-انتشار الأمية بأنواعها في الوطن العربي إلى جانب التخلف، وانتشار الفكر الغيبي التكفيري، والذي يشكل النسبة الكبرى من ثقافة الشعب.ونلاحظ انتشار الثقافة الغيبية وكتب التراث المليئة بالدسائس والمعالطات التي دسها أعداء الأمة التي تزيد المجتمع العربي انقساماً وتفرقة وتبقيه في الجهل والصراع والعداء.
5-السياسات الاقتصادية والتنموية التي تطبق تعليمات البنك الدولي والليبرالية الجديدة المتوحشة،والتي زادت من فقر الناس، وتهميشهم، ما انعكس سلباً على الثقافة، فلا ثقافة مع الجوع.وبالتالي أضحى المثقف والعاملون في الثقافة الضحية الأولى لها بسبب عدم الاهتمام بدعم الثقافة والعمل على استمرار تجهيل المجتمعات ليسهل قيادتها،كما تدعي بعض الجهات التي تعمل على بناء مجتمعات من القطيع.
أما التحديات الخارجية فتتجلى بالآتي:انتشار ثقافة العولمة وسياسة الدول الاستعمارية العاملة على تهديم البنى الحضارية للأمة العربية،ونسف ثقافتها وهويتها وانتماءها الأصيل ونشر الانتماءات تحت الوطنية،والفكر المستلب والفردية، والأنانية،والخلاص الفردي بين الناس،ما ساهم في ضعف الولاء والانتماء، والعمل على إلغاء الهوية القومية والإنسانية، وتهميش ثقافة الشعوب المختلفة، وتنميط الإنسان، والمجتمعات، والتأكيد أن القيم والمباديء عقيمة لا جدوى منها، وإزهاق الروح البشرية، وتحويل الإنسان إلى رقم من الأرقام، وانتهاء التاريخ، واستمرار حالة الحصار الاقتصادي لتجويع الشعوب المقاومة للسياسات الاستعمارية، ونشر أفكار العولمة المتوحشة، لتدمير الشعوب وجعلها تسير في ركب الإمبريالية المتوحشة، وفرض ثقافتها على الشعوب لكي تبقى خانعة مستسلمة متخلفة ومرتعاً لنهب ثرواتها من قبل قوى الاستكبار والإمبريالية العالمية.
إن المطلوب اليوم للنهوض بالثقافة والمثقفين، وأن تأخذ الثقافة دورها في تنمية المجتمع وتحصين الأمة المبادرة إلى:
1-تشكيل مجلس عربي للثقافة مستقل عن الأنظمة السياسية العربية،له تمويل خاص تقتطع من ميزانية الدول العربية،ولا يؤثر في طبيعة عمل هذا المجلس يُعنى بنشر الثقافة العربية،وتسويقها، وانتقالها بين أرجاء الوطن العربي.وتقدم الكتاب بسعر مقبول للمواطن العربي،وتنشر الثقافة عربياً وعالمياً من خلال إيصال الإنتاج الثقافي العربي إلى العالم والمساهمة بترجمة الكتب المهمة في العالم للاطلاع عليها من قبل الإنسان العربي،وإقامة معارض ثقافية بين أرجاء الوطن العربي وفي دول العالم، للتعريف بالإنتاج الثقافي العربي،والارتقاء بالكتاب ومستواه فنياً وعلمياً ومحتوى، ونشر الكتاب الشعبي بسعر يستطيع أي مواطن عربي شراؤه.
2- تنوير الفقير والمهمش والمضطهد عموماً، ومساعدته على امتلاك الوعي بالواقع الموضوعي وجعله حاضراً ومن ثم تثويره، ودعم المثقف الحيوي العضوي غير الوظيفي الذي يحلم بالتغيير، وبالهم القومي والمجتمعي والإنساني، ومسكوناً بهاجس إثارة الأسئلة، والمكاشفة،وتحريك ما يمكن تحريكه، المثقف الذي يعمل على ثقافة تقوم على فضح كل أنواع الاستبداد وأشكاله، والتصدي ومواجهة الطغاة،وكهنتهم وشيوخهم،ومناهضة المثقف الوظيفي،التجاري،الخانع، المداهن، الانتهازي الذي يعمل على تشكيل وعي زائف. إن الثقافة المطلوبة والمثقف المطلوب هو من يخوض المعركة ضد المثقفين الذين يزهدون بالحق، ويرتهنون إلى المصلحة وينتظرون الامتيازات، المثقف الذي يتقدم الصفوف لمواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني،مثقف الحق والموقف، الذي لا ينتظر من الثقافة الامتيازات والعطايا ويجعل المصلحة الوطنية العليا أولاً وأخيراً،ويسهم في تنمية الثقافة الوطنية التقدمية المنفتحة ونشرها وترسيخها وينحاز إلى الحق والخير والعدالة والحرية والجمال وكرامة الحياة والأوطان.ومحاربة التسطيح الذي يقوم به الكثير أو القليل من المثقفين والسياسيين بشكل مبرمج وممنهج،الذي يؤدي إلى هزيمة الأمة،لأن الهزيمة تبدأ بهزيمتها ثقافياً، ومواجهة الفكر التكفيري الخارج من الظلمات، وبناء ثقافة وطنية تقدمية منفتحة تناهض وتواجه الثقافة الرجعية المنغلقة.
العدد 1112 – 20- 9-2022

آخر الأخبار
انفراجة اقتصادية مرتقبة... الصناعيون يستعدون للعودة والإنتاج المصارف الخاصة .. خدمات بطيئة بأنظمة مرهقة   مركز بيانات Open AI ... أحد أكبر مشاريع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في العالم  اختراق حسابات شخصية لا تستخدم ميزة المصادقة الثنائية (2FA)  الوزير الشعار: الغرف التجارية ركيزة لدعم الاقتصاد 19 صرافاً جديداً بدمشق  وزير الاتصالات: توسيع وتحسين الخدمات الرقمية والهاتفية في حلب  الشيباني يبحث هاتفياً مع كالاس تفعيل خطط التعافي المبكر وإعادة الإعمار  أردوغان: ضرورة دعم وحدة أراضي سوريا  تأهيل 9 آبار مياه  لتلبية احتياجات أهالي معضمية الشام  أهالي جديدة الفضل يشتكون من إزعاجات الدراجات النارية  سعر جديد مخفض لأسطوانة الغاز قريباً  خبرات سويسرا التربوية إلى سوريا   News Week : إيران توقع اتفاقية دفاعية مع روسيا وسط تصاعد التوترات النووية مع الولايات المتحدة  رويترز": واشنطن بصدد تعيين سفيرها لدى تركيا مبعوثاً خاصاً إلى سوريا  إعادة تكوين السجلات العقارية في زملكا  مدير المصالح العقارية لـ " الثورة ": الحقوق والملكيات مصانة  شهية المستثمرين " مفتوحة بالكامل على حسياء الصناعية  90 طلباً استثمارياً جديداً عرباً وأجانب     الأطفال والقدرة على مواجهة الحياة   تطوير مهارات التفكير والتحريض على التحليل    البابا ليو الرابع عشر يدعو لضرورة إدخال المساعدات الإنسانية لغزة  كيف نربي أطفالاً ناجحين ...؟ المرشدة سعيد ل " الثورة ": الحوار والتفكير الناقد