الملحق الثقافي:
يبدو أن توجهنا نحو الثقافات الانسانية ولاسيما في الشرق يبقى محدوداً وفردياً على الرغم من ثرائها وقدرتها على التعبير حتى عما نعانيه بحكم التقارب الجغرافي والتاريخي والاجتماعي، من مجلة الدوح نختار حواراً مهماً أجري مع المستشرق الصيني لين وقد أجراه حسن الوزاني.
ينتمي «لين فنغمين» إلى الجيل الجديد من المستشرقين الصينيين الذين يهتمّون بالثّقافة وباللّغة العربيتَين. يشغل منصب عميد معهد الدراسات العربيّة الإسلامية في جامعة بكين، ونائب رئيس مركز الدراسات الشرق الأوسطية، ونائب رئيس مركز الدراسات الإفريقية في الجامعة نفسها، ورئيس جمعية الصين لدراسات الأدب العربي. ترجم «لين فنغمين» عدداً من الأعمال العربيّة إلى الصينية، من بينها «برقيّات عاجلة إلى وطني»، و«امرأة بلا سواحل» و«آخر السيوف» لسعاد الصباح، و«جسر بنات يعقوب» لحسن حميد، و«كتاب الأمير» لواسيني الأعرج، و«دومة ود حامد» للطيِّب صالح، كما نشر عدداً من الدراسات، من بينها «الأدب العربي الحديث في التحوُّل الثّقافي»، و«الدراسات المقارنة بين أدبَي الصين والعرب».
ما الأسباب التي كانت وراء اختيارك للُّغة العربيّة لغةً للترجمة والبحث ؟
– يبدو أن اللّغة العربيّة هي التي اختارتني، أو يمكن القول إن القدر اختارني لدراسة اللّغة العربيّة. إذ لم تكن لديَّ أيّة رغبة في دراستها في مرحلة الدراسة الثانوية، وذلك بحكم كوني لم أكن أعرف، حينها، أين يقع العالم العربي. وسيكون أحد أساتذة كلّيّة اللّغات الشرقية وراء تغيير مساري، حين أقنعني باختيار دراسة هذه اللّغة ضدّاً على رغبتي في دراسة الإنجليزية أو الإدارة أو الاقتصاد، أمّا الأمر الذي حفَّزني، أيضاً، على تغيير مساري فهو بحثي عن مقعد في جامعة بكين، باعتبارها أفضل الجامعات في الصين، وأقدمها، وهي الجامعة التي تحتضن كلِّيّة اللّغات الشرقية، حيث يتمّ تدريس اللّغة العربيّة.
وبعد التحاقي بجامعة بكين؛ قصدَ تعلُّم اللّغة العربيّة، بدأتُ أكتشف جمال هذه اللّغة، بالرغم من الصعوبات التي تطرحها أمام كثير من الصينيين. وبفضل علاقتي باللّغة العربيّة، ستتاح لي فرص زيارة كثير من البلدان العربيّة، واكتشاف جانب من جغرافيا هذا العالم المذهل، والإحساس بعواطف المجتمعات العربيّة. ولا شكّ في أن اللّغة العربيّة فتحت لي باباً مشرعاً على عالم مختلف جدّاً، يمنحني إمكانية الاستمتاع بمعالم الثّقافة العربيّة والإسلامية المذهلة.
ترجمتَ عدداً من النصوص الأدبيّة العربيّة إلى الصينية، من بينها «برقيّات عاجلة إلى وطني» لسعاد الصباح، و«جسر بنات يعقوب» لحسن حميد، و«كتاب الأمير» لواسيني الأعرج، و«دومة ود حامد» للطيّب صالح. ما الذي قد تحمله ترجمة الأعمال الأدبيّة العربيّة للقارئ الصيني؟
– أشير، أوّلاً، إلى كون عدد الأعمال الأدبيّة العربيّة المترجمة إلى اللّغة الصينية قد جاوز، بشكل عامّ، المئتي عنوان. أمّا بالنسبة إلى الأعمال المذكورة التي ترجمُتها، فتعكس أبعاداً مختلفة من الثقافات العربيّة الإسلامية، ويخصّ ذلك مجموعة «برقيّات عاجلة إلى وطني» لسعاد الصباح، التي تحمل الأفكار الوطنيّة والقومية العربيّة. بينما يمنح نصّ «جسر بنات يعقوب» لحسن حميد، للقرّاء الصينين، إمكانيةَ التعرُّف إلى معالم التسامح والتعدُّد الثّقافي، والتعدُّد الديني في العالم العربي، خصوصاً مع وجود الثّقافة المسيحية في منطقة الشرق الأوسط، بشكل لا يمسّ حضور الثّقافة الإسلامية. أمّا رواية «دومة ود حامد»، للطيب صالح، فتقرِّب القارئ الصيني من موضوع الحداثة كما تعيشها المجتمعات العربيّة، حيث يمكن أن تتعايش التقاليد العربيّة، والثّقافة الغربية، في السودان، وفي أيّة دولة من الدول العربيّة، وذلك اعتباراً لأهمِّيّة الأفكار الحديثة كأساس للتحديث، دون التضحية بالتقاليد. بخصوص نصّ «الأمير» للروائي الجزائري واسيني الأعرج، هو يُظهر للقرّاء الصينيين مقاومةَ العرب للاستعمار الفرنسي، وشجاعةَ المسلمين ضد المستعمرين، وكذلك مظاهرَ الحوار الثّقافي بين الثّقافة العربيّة والإسلامية، والثّقافة المسيحية، وبين الثّقافة الشرقية والثّقافة الغربية.
كيف ترى، من موقعك، اهتمام المثقّفين والقرّاء الصينيين بترجمة الأعمال الأدبيّة العربيّة؟
– أظن أن اهتمام المثقّفين والقرّاء الصينيين بأعمال ترجمة هذه الأعمال، هو أقلّ من اهتمامهم بالأعمال الغربية والروسية المترجمة إلى اللّغة الصينية. وإن كانت بعض الحوادث تغيِّر، أحياناً، مستوى هذا الاهتمام؛ فمثلاً: فتح فوز نجيب محفوظ بجائزة «نوبل» للأدب، البابَ أمام اهتمام المثقّفين والقرّاء الصينيين ليس بأعمال نجيب محفوظ فحسب، بل بعدد مهمّ من الأدباء والشعراء العرب الآخرين. وبعد حادث (11) سبتمبر (2001)، تزايدت رغبةُ المثقّفين الصينيين في التعرُّف إلى الثّقافة العربيّة الإسلامية، وكذلك الأمر بعد حرب الأميركان على العراق، وتغيُّرات «ربيع العرب»، وغيرها من الحوادث المهمّة التي تجعل المثقّفين يهتمّون بالعالم العربي، من خلال قراءة الأعمال الأدبيّة العربيّة المترجمة.
ما هي، بنظرك أهمّ العقبات التي يمكن أن تواجه المترجم الذي يشتغل على النصوص الأدبيّة العربيّة ؟
– أظن أن أهمّ العقبات التي يواجهها المترجم الذي يشتغل على النصوص العربيّة، تتعلَّق، بشكل خاصّ، بترجمة القصائد. لقد قال أدونيس، في محاضرة ألقاها في جامعة بكين، إن ترجمة الشعر خيانة. وأفهم من كلام أدونيس أن ترجمة القصائد، دائماً، تخالف قصد الشاعر؛ بسبب اختلاف دلالات الكلمات؛ إذ لا يمكن أن ننقل كلّ معاني القصيدة إلى لغة ثانية. ولعلَّ هذا الرأي قريب من تصوُّر الشاعر الصيني «سيتشوان» الذي يرى أن قضايا ترجمة الشعر لا تخصّ مشكلة اللّغة، فقط، بل تهمّ، أيضاً، قضيّة الثّقافة، وقضيّة تيّار الفكر الأدبي، وقضيّة مفاهيم الإبداع، وكذلك قضيّة عادات القرّاء. وإذا كان من الممكن ترجمة معاني الكلمة، فمن الصعب ترجمة القوافي والعروض إلى لغة أخرى، بل قد لا نستطيع نقل كلمات القصيدة إلى لغة أخرى، إذا كان لها أكثر من معنى.
كيف ترى مسارات الترجمة بين اللّغتين: العربيّة، والصينية، على مستوى الاتِّجاهَيْن؟
– أعتقد أن وضعيّة الترجمة بين اللّغتين: العربيّة، والصينيّة، على مستوى الاتِّجاهَيْن، ظلَّت -خصوصاً، خلال القرن الماضي- غير متوازنة، وكانت الغلبة، على الأقلّ، على المستوى الكمّي، لصالح الترجمة من اللّغة العربيّة إلى الصينية. بينما شهد القرن الحالي تطوُّراً كبيراً على مستوى تعليم اللّغة الصينية، سواء في الدول العربيّة، أم في الصين؛ إذ ارتفع عددُ أقسام اللّغة العربيّة، في الجامعات الصينية، من ثمانية أقسام إلى ثمانية وأربعين قسماً. وهو ما يشكِّل أساساً ومحفِّزاً لتطوُّر الترجمة في المستقبل.
من جهة أخرى، أنشأت الحكومة الصينية عدداً من البرامج الثّقافية لتشجيع الترجمة، ودعمها، من بينها برنامج «الترجمة المتبادلة بين الصينية والعربيّة»، الذي تمَّ إطلاقه في إطار التعاون بين الحكومة الصينية وجامعة الدول العربيّة، وبرنامج «الترجمة المتبادلة بين الصين والكويت»، وغيرها من البرامج الكثيرة، كان من نتائج ذلك ازدياد أعداد الكتب الصينية المترجمة إلى اللّغة العربيّة في السوق الثّقافية العربيّة. على العموم، تظلّ وضعية أعمال الترجمة بين اللّغتَيْن: الصينيّة، والعربيّة، محدودة، برغم الجهود المبذولة من الجانبَيْن في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع وجود كثير من الكنوز التي تزخر بها كلٌّ من الثّقافة العربيّة الإسلامية والثّقافة الصينية، والتي تحتاج إلى الاكتشاف.
تتَّسم المدرسة الاستشراقية الصينية بخروجها عن سلطة التصوُّرات الغربية التي لم تستطع التخلُّص من التصوُّرات الاستعمارية. كيف تتصوَّر، من موقعك، دواعي هذا الاختيار الذي يطبع الاستشراق الصيني؟
– قبل أن أجيب عن هذا السؤال، يجب عليَّ أن أبيِّن لكم طبيعة تمثُّل الصينيين لمصطلح «المدرسة الاستشراقية الصينية». فمن المعروف أن علم الاستشراق، بمفهومه الاصطلاحي الضيِّق، يحيل على اهتمام العلماء الغربيين بالدراسات الإسلامية، والدراسات العربيّة. في مقابل ذلك، يوسِّع الصينيون مجال المصطلح ليشمل، ليس الدراسات الإسلامية والعربيّة، فحسب، بل الدراسات التي تهمُّ الصين والهند واليابان وكوريا وغيرها من الدول الآسيوية، أيضاً؛ لذلك، أُفضِّل أن أستخدم مصطلح (الاستعراب) أو علم الاستعراب. وبالفعل، إن معظم الأساتذة والباحثين الصينيين المتخصِّصين في علم الاستعراب هم ضدّ هيمنة التصوُّرات الغربية، وضدّ المركزية الغربية، إذ لا يتبعون وسائل الإعلام، لأنهم يعرفون اللّغة العربيّة، ويقرؤون الصحف والمجلّات والكتب العربيّة؛ وهو ما يتيح لهم إمكانية التعرُّف إلى الأوضاع الحقيقية في الشرق الأوسط، دون وضع ثقتهم العمياء في الميديا الغربية.
العدد 1117 – 25- 10-2022