الثورة – حلب – تحقيق جهاد اصطيف- حسن العجيلي:
سواء هبط الشتاء أم لم يهبط، لم يعد الأمر على ما يبدو يهم الكثيرين ، لا لشيء ، وإنما لأنه لم يتبق أمامهم سوى تلك المشاهد التي عادة ما تكون أمام المدفأة في المنزل، أو وسائل أخرى لم يكن يحمل أحد همها مهما كانت مكلفة، فخلال السنوات الماضية، ارتبطت لدى أذهاننا مشاهد من ساعات طوال تقضيها عائلاتنا في محاولة للتغلب على البرد والصقيع اللذين يتسربان من كل مسام في منازلنا أو شققنا التي لا تصلها الكهرباء إلا ساعات قليلة كل يوم.
بحث دؤوب ولكن !
ومع اقتراب الشتاء كل عام، سرعان ما يبدأ المواطن لدينا بحثه الدؤوب عن وسائل تدفئة في ظل زيادة ساعات التقنين الكهربائي، والإنخفاض الحاد في مخصصات المحروقات، وقلة واحتكار الحطب من قبل التجار، وغيرها من المنغصات التي تحول بينه وبين الدفء.
وحقيقة الأمر لا يبدو أن التقنين الكهربائي وحده هو ما يحول بيننا وبين هذه المدافئ، وإنما أيضا إرتفاع أسعارها في السوق إلى درجة بات اقتناؤها بالنسبة للكثيرين حلماً بعيد المنال، لاسيما وأن القدرة الشرائية للموظفين في انخفاض مستمر قياساً بالغلاء الذي تشهده مختلف السلع في الأسواق، وفضلاً عن هذا الغلاء الفاحش بأسعار وسائل التدفئة الكهربائية، شهدت جميع أسعار الثياب الشتوية هي الأخرى غلاء مماثلاً، لم يكن بالحسبان.
معاناة تتكرر كل سنة
تحكي « صفاء « أم وربة منزل عن معاناتها مع فصل الشتاء والغلاء بالقول: حالياً كما نرى بدأوا بتوزيع الحصة الأولى من مادة المازوت، ولا ندري متى نحصل عليها لأننا كنا من المحظوظين في استلام الدفعة الثانية نهاية الشتوية الماضية، وإذا افترضنا أن الحظ حالفنا بعد شهر أو أكثر لا ندري، فهل كمية ال « ٥٠ « ليتر كافية لدرء البرد عن أجسادنا طيلة فترة الشتاء، وتردف: أعتقد أن الأمر صعب للغاية، وهذا ما يضطرني كل شتاء إلى شراء عدد أكثر من المعاطف الشتوية ليتسنى للأولاد تبديلها طيلة الفترة، ولكن هذا العام تبدو الأسعار غير مناسبة بالنسبة لنا ولذلك غالباً ما نلجأ إلى الإستدانة لتغطية ما أمكن من متطلبات فصل الشتاء.
تفوق الخيال
ويقول «أبو محمد « أعمال حرة، لم يعد بإمكاننا الإعتماد على المازوت، حيث يصل سعر الليتر في السوق السوداء إلى نحو « ٦ « آلاف ليرة أو أكثر، وتحتاج العائلة خلال العام إلى « ٢٥٠ – ٣٠٠ « ليتر بالحد الأدنى، أي ما ثمنه مليون ونصف المليون أو مليوني ليرة، وبالطبع لن يتمكن أحد من توفير هذا المبلغ خاصة إذا كان موظفاً لا يتعدى راتبه ال « ١٢٥ « ألف ليرة .
وليس «محمد « استثناء، كون معظم المواطنين لا يمكنهم تخصيص هذا المبلغ لأغراض التدفئة، وبالتالي لا يمكنهم الإعتماد على المحروقات أو الحطب، ولا على الكهرباء نتيجة للتقنين الجائر.
والابتكار لم يعد ينفع !
أمام ذلك اعتاد المواطن سواء في حلب أو غيرها على ابتكار الحلول والبدائل للتدفئة تحت ضغط التقنين الكهربائي ونقص المخصصات من مادة المازوت، ومن تلك الحلول الرائجة كان استعاضتهم عن مدافئ الوقود والكهرباء بمدافئ الحطب، ولكن من الصعب بمكان أن يلجأ المواطن إلى هذا الخيار هذا الشتاء لأن سعر طن الحطب كما علمنا يفوق المليون ليرة !. ويعود سبب ارتفاع أسعار الحطب إلى عدة عوامل أهمها منع الإحتطاب والإحتكار، وزيادة تكلفة النقل وغيرها.
وفي حين كانت مخصصات العائلة من مادة المازوت خلال السنوات الماضية « ٢٠٠ « ليتراً توزع دفعة واحدة بداية فصل الشتاء، أصبحت منذ عامين على دفعتين دون أن تطال الجميع، وفي كل دفعة يصرف « ٥٠ « ليتراً فقط، وهو ما لا يكفي أي عائلة مهما أختصرت لأكثر من نصف شهر، أما أسطوانات الغاز، فهي الأخرى معضلة ثانية، فبعد أن أضحت تباع عبر تطبيق « وين « بموجب الدور الذي قد يستغرق حاليا نحو « ٨٠ « يوماً، لتحصل على جرة واحدة فقط مهما بلغ عدد أفرادها، وبذلك يصعب أيضاً الإعتماد على مدافئ الغاز، فضلاً عن الوسائل الأخرى كحرق الأمتعة والكرتون والنايلون وسواها، التي تتسبب بدون شك بالكثير من الأذى وتلحق الضرر بصحة من يستخدمها، خاصة كبار السن والصغار.
محروقات: نسبة التوزيع معقولة !
وفي اتصال هاتفي أوضح مدير فرع محروقات بحلب المهندس «عبد الإله الندمان» أن نسبة توزيع المازوت المنزلي وصلت إلى نحو « ١٦ – ١٧ « % ، أي حوالي « ٥ « مليون ليتر تقريباً، منوها إلى أن هذه النسبة تعتبر مقبولة ضمن الإمكانات المتاحة، لافتا إلى أن هناك ٤٤ طلباً وكميتها « ٩٠٠ « ألف ليتر من مخصصات مازوت التدفئة تم تعزيزها لتحسين التوزيع.
وأضاف «الندمان» أنه يتم توزيع حوالي « ٢٤ « ألف ليتر يومياً ضمن الخطة الموضوعة، إضافة إلى التعزيز الإسبوعي، وأن الخطة اليومية لتوزيع المنزلي يبلغ حوالي « ٢٠ « % من مخصصات حلب من المازوت.
والسؤال هنا، ترى هل تنجح « شركة محروقات « في مسعاها الذي بدأته متأخراً هذه السنة في توزيع الحصص لكل العائلات، لكي تنعم ببعض الدفء وفق ما هو مخطط لها، نأمل ذلك ..