التحوّل لاقتصاد السوق الحر.. فجوة بين التعليم المهني ومتطلبات الاقتصاد الجديد

الثورة – تحقيق هلال عون:

يرى البعض أن النظام التعليمي المهني السوري، ما زال بعيداً عن مواكبة التحولات الاقتصادية، إذ يعتمد بشكل كبير على المناهج النظرية التقليدية.. ويقولون إن دخول سوريا إلى اقتصاد السوق الحر يفرض تطوير التعليم المهني والتطبيقي، بحيث يصبح الخريج مؤهلاً لسوق العمل مباشرة بدلاً من قضاء سنوات إضافية في البحث عن الخبرة العملية.

والسؤال: ما المطلوب من الحكومة الجديدة لسدّ هذه الثغرة؟.

في هذا التحقيق نتابع الواقع والطموح..

تنفيذ الأفكار

الطفل “ليث. ز”، من محافظة حماة، طالب متفوق في الصف السابع، يعمل مع والده المهندس “أمين . ز” في محل إصلاح جميع أنواع الأدوات والآلات الكهربائية.

يقول والده: “ليث يرافقني إلى المحل منذ كان في الصف الثالث، وهو الآن لا يقل خبرة عني، وفي أيام الصيف أذهب إلى دوامي ويفتح هو المحل قبل الظهر، ويقوم بإصلاح الأدوات التي يأتينا بها الزبائن، وهو الآن يهتم بالتصميم أكثر من الإصلاح، في مجالَي الالكترونيات والكهربائيات.

وبرأي المهندس أمين فإن تفوق ولده الصغير يعود لسببين: الاهتمام، والتطبيق العملي للأفكار.

رجل الأعمال، الصناعي والخبير الاقتصادي، أحمد الزيات، قال لصحيفة الثورة: إن أعظم وأرقى دول العالم تأخذ على عاتقها التعليم والتدريب المهني”.

ويتابع: “كنت في كندا في التسعينات، لفت نظري تنظيم الحكومة لموضوع التدريب، يمكنك تسجل مهنة منجّد، أو صائغ مجوهرات أو كهربائي أو سبّاك (تمديدات صحية).. الخ، مقابل رسم ضئيل للغاية وتتعلم المصلحة على أصولها”.

وأوضح أن المستفيد هو الطالب نفسه، والدولة نفسها، والمواطن عموما، الذي يحصل على الجودة والأداء الجيد للعمالة.

وتابع: في سوريا ومنذ زمن بعيد يوجد معهد التدريب المهني الذي يهتم بصيانة السيارات والتصويج، وتخصصات كثيرة، لكن لا دعاية ولا اهتمام في الإعلام بهذه الدورات.. هناك معاهد اهتمت بتعليم الحلاقة والإلكترون والطبخ والخياطة..الخ.

وتساءل الزيات عن دور الشؤون الاجتماعية الغائب!.. لافتاً إلى كثرة العاطلين والمتسربين من المدارس، وبائعي البسطات، ومنهم من يحمل طفلاً ليشحد أو يبيع بسكوتة، ودعا الحكومة للاهتمام بالتدريب المهني لهؤلاء المشردين.

وختم الزيات، بتقديم مقترح، وهو أن تكون السنة الدراسية 12 شهراً بدلاً من 9 أشهر، وأن تكون العطلة 10 أيام صيفاً و10 شتاءً فقط، وأن تقوم وزارة التربية بإدخال التعليم المهني من الابتدائية حتى الثانوية كما في كوريا، ولنرى بعد 10 سنوات كيف أن سوريا ستكون في الصف الأول أمام دول المنطقة.

واقع التعليم والتأهيل المهني

الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات، والمختص بالإدارة العامة والتنفيذية، الدكتور عبد المعين مفتاح، قال لصحيفة الثورة: بعد عقود من الاقتصاد الموجه، تدخل سوريا اليوم مرحلة تحول نحو اقتصاد السوق الحر، ما يفرض تحديات كبيرة على مختلف القطاعات، وفي مقدمتها قطاع التعليم والتأهيل المهني.

في ظل هذا الواقع الجديد، يبرز تساؤل محوري: هل يستطيع النظام التعليمي الحالي أن يواكب متطلبات سوق العمل المتغيرة؟ وما هي الحلول الممكنة لسد الفجوة بين التعليم والاقتصاد الجديد؟.

ويجيب: “تشير الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة بين خريجي الجامعات السورية تجاوزت 30 بالمئة خلال السنوات الأخيرة، بينما تشير تقارير سوق العمل إلى أن أكثر من 60 بالمئة من فرص التوظيف المتاحة تتطلب مهارات تقنية ومهنية غير متوفرة لدى معظم الخريجين.

هذا التفاوت يعكس ضعف التكامل بين المناهج التعليمية واحتياجات السوق، إلى جانب قلة برامج التدريب المهني والتطبيقي”.

اقتراحات مهمة

يرى د. مفتاح أننا نحتاج إلى تبني إصلاحات جوهرية في النظام التعليمي لضمان توافقه مع احتياجات السوق الحر، واقترح عدة خطوات لتحقيق ذلك:

أولاً: إعادة هيكلة المناهج التعليمية لتشمل مواد حديثة مثل ريادة الأعمال، الإدارة الحديثة، والتكنولوجيا المالية، بحيث يصبح الطالب مؤهلاً لإطلاق مشروعه الخاص أو الانخراط في سوق العمل مباشرة.

ثانياً: تعزيز التعاون بين الجامعات والمعاهد المهنية والقطاع الخاص، ويمكن للشركات والمصانع أن تلعب دوراً محورياً في تدريب الطلاب عملياً قبل تخرجهم، ما يسهم في تجهيزهم بالمهارات اللازمة للعمل الفعلي.

ثالثاً: إطلاق مبادرات لدعم ريادة الأعمال، فالخريجون الجدد يحتاجون إلى برامج تمويلية وإرشادية لمساعدتهم في تأسيس مشاريعهم الخاصة بدلاً من الاعتماد على فرص التوظيف التقليدية.

رابعاً: تطوير المعاهد التقنية والمهنية لتصبح خياراً جاذباً ومنافساً للتعليم الجامعي، بحيث يتم تخريج فنيين محترفين يحتاجهم السوق المحلي والدولي..

تجارب ناجحة

يؤكد الدكتور مفتاح أن العديد من الدول التي انتقلت من الاقتصاد الموجه إلى السوق الحر، مثل الصين وفيتنام، استطاعت تطوير أنظمة تعليمية متكاملة تدعم التحولات الاقتصادية.. ففي الصين، على سبيل المثال، تم تطبيق نظام مزدوج يمزج بين التعليم الأكاديمي والتدريب المهني، بحيث يحصل كل خريج على شهادة أكاديمية وأخرى مهنية تؤهله لدخول سوق العمل مباشرة، هذا النموذج، بحسب مفتاح، ساعد في تقليص نسبة البطالة إلى أقل من 5 بالمئة بين الشباب الصينيين.

أما في سوريا، فقد بدأت بعض المبادرات الفردية في الظهور، مثل البرامج التدريبية التي تطلقها بعض الشركات بالتعاون مع الجامعات، إلا أن هذه الجهود لا تزال بحاجة إلى دعم حكومي وتشريعي واسع النطاق لتعزيز تأثيرها على الاقتصاد المحلي.

التحديات

يرى د. مفتاح أن هناك عدة تحديات تعرقل هذا التحول، ومنها:

أولاً: البيروقراطية والتشريعات القديمة التي لا تزال تعيق تحديث المناهج بسرعة، ما يجعل التكيف مع المتغيرات الاقتصادية أمراً بطيئاً.

ثانياً: نقص التمويل، فتطوير نظام تعليمي حديث يتطلب استثمارات كبيرة، سواء في تحديث المناهج، أو تجهيز المعاهد والمختبرات، أو تمويل برامج التدريب المهني.

ثالثاً: الثقافة التقليدية في المؤسسات التعليمية التي تفضل التعليم النظري التقليدي، ما يحدّ من تبني المناهج التطبيقية والتقنية المطلوبة.

آخر الأخبار
بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة