نعترف بأن غالبية القطاعات خاضعة لتأثيرات مستوردة أي ليست محلية، سواء الصناعة أو التجارة الخارجية أو السياحة.
نعترف لكن دونما مبالغة في تعليق مختلف ضروب التقصير على شماعة الظروف الصعبة، بما أن لدينا ما يمكن أن نفعله ولم نفعل.
إلا أن القطاع الزراعي ينطوي على استثناء بشكل أو بآخر .. فهو من المفترض أنه أقل تأثراً من غيره على اعتبار أن الأداة الإنتاجية الأهم فيه هي الأرض.. أي الطبيعة والمقومات التي طالما كانت ورقتنا الاقتصادية الرابحة أو من أهم الأوراق.
أهم ماتحتاجه زراعتنا هو الإدارة المرنة والقرارات الجريئة على مستوى حكومة لا مجرد وزارة، وهذه أهم من المستلزمات الأخرى التي لاينفع توافرها إن كان ثمة ارتباك في التعاطي مع أولويات القطاع.
في أريافنا مساحات شاسعة غير مزروعة ليس بسبب عدم توفر المستلزمات، بل بسبب التبدل الحاد في ثقافة العمل ونمط الحياة الريفية، وهذا يحتاج إلى محفزات و مشجعات وحتى توعية وإرشاد لإعادة ربط الريفيين بأراضيهم، أي خلق الجدوى والعائد ..ولعل في موسم الزيتون الحالي أهم الأمثلة، إذ تشهد هذه الأيام “نزوحاً” من المدن إلى الأرياف ليس للاصطياف بل لجني محصول الزيتون.
لماذا لا تبتكر وزارة زراعتنا مواسم متعددة لهذا النزوح المحبب على قلوب الجميع..
مواسم الكرز مثلا في المناطق الجبلية المرتفعة التي مازالت جرداء .. وهذا ليس ادعاء بل حقيقة..ومواسم المشمش- وليس التفاح -في المناطق الأقل ارتفاعاً..ثم مواسم جني ثمار القبّار في المنطقة الوسطى بما أن هذا الصنف النباتي البري “أخبرنا” بأنه جاهز للتحالف مع فقرائنا..ماذا فعلنا لتوسيع دائرة إنتاجه كي يكون موسماً حقيقياً؟
في كل منطقة ميزة وخاصية يمكن أن تكون نواة لموسم يحتفي به الجميع..مواسم لمحاصيل مطلوبة للأسواق الخارجية أو للتصنيع المحلي قبل التصدير..
على سيرة التفاح..يجدر بكل متابع أن يسأل عن سبب إبقاء المنتجين ضحايا لمواسم الكساد والعجز عن التسويق والتصدير وتأمين مستلزمات التخزين، أليس من صنف بديل اهتدت إليه بحوثنا الزراعية وبالتالي وزارة الزراعة أكثر جدوى وأقل كلفة ليكون دفة إنقاذ لفلاحي مناطق التفاحيات..؟
أثبتت السنوات وقبلها عقود طويلة من الزمن أن الزراعة هي رافعة اقتصادنا وأمننا الغذائي، رغم ذلك انشغلنا وأضعنا الوقت والموارد لإرضاء الصناعيين، ونسينا أن الزراعة تحتاج إلى جهد أقل وبعض الاهتمام ليكون مواطننا منتجاً ومستهلكاً بخير.
لعلنا نحتاج إلى إدارة مرنة لأهم قطاعاتنا الاقتصادية..ويكفي أن ننظر إلى قوام صادراتنا لنجد أن غالبيتها منتجات زراعية وأكثرها خام وليس مصنعاً.
باختصار .. مشكلتنا ليست مشكلة موارد بقدر ماهي مشكلة إدارة.. والشاهد الأرض والطبيعة التي لاتجيد فبركة الأرقام وتحويل الانتباه.
نهى علي