الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
اليوم، أصبحت إمكانية تعزيز هيكل إقليمي شامل للأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أمراُ لا يمكن تصوره تقريباً، ويرجع ذلك إلى ازدياد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، والتي استبعدت هذا الخيار.
كانت الولايات المتحدة منشغلة في تعزيز تحالفاتها العسكرية القديمة وتكوين تحالفات جديدة في المنطقة من أجل التنافس مع الصين واحتوائها. وردت الصين بتعزيز علاقاتها مع روسيا حتى بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كما طلبت من جيرانها الابتعاد عن الصراعات الصينية الأمريكية.
نتيجة لذلك، وبدلاً من هيكل أمني شامل على مستوى المنطقة، انتهى الأمر بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بمجموعة من الترتيبات الأمنية التي أصبحت عرضة للأزمات ومجزأة بشكل متزايد.
هناك مجموعتان من العوامل تتنافسان في تشكيل هذا التطور، الأول يشمل المناورات السياسية المحلية والمخاوف المفرطة التي تؤدي إلى تفاقم التوتر بين الصين والولايات المتحدة، مما يجعل عجز التعاون الأمني على مستوى المنطقة أكبر. والثاني يشمل المصالح الوطنية، والرهانات في النظام الإقليمي والتكلفة الباهظة لمواجهة شاملة بين الصين وأمريكا.
لا تثق الولايات المتحدة في أي ترتيب أمني ليس لها سيطرة مطلقة عليه، لاسيما الترتيب الذي يُعتقد أنه يمكن أن يضعف أو يحل محل تحالفاتها العسكرية الحالية في المنطقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الجهود المتتالية منذ نهاية الحرب الباردة للضغط من أجل هيكل أمني على مستوى المنطقة، مثل المنتدى الإقليمي الآسيوي (ARF) وقمة شرق آسيا (EAS) وفكرة مجتمع آسيا والمحيط الهادئ، لم تنجح بعد.
حتى وقت قريب، على الرغم من أن الصين كانت غير مرتاحة للتحالفات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، إلا أنها لم تتحداها طالما أنها لم تستهدفها، من جانبها، بذلت واشنطن وحلفاؤها أيضاً جهوداً للتخفيف من مخاوف الصين، مثل الإعلان عن أن الصين ليست هدف التحالفات ودعوة الصين للمشاركة في تدريبات حافة المحيط الهادئ السنوية، لكن في السنوات الأخيرة، تغير الوضع بشكل جذري.
بصفتها أحد أصحاب المصلحة في النظام الدولي الحالي، فإنه لدى الصين كل الأسباب للدفاع عن هذا النظام لحماية مصالحها والحفاظ على نموها الاقتصادي، حاولت الصين لعب دور إيجابي في آليات الأمن الإقليمي مثل ARF و EAS، وهي تعتقد أن المنطقة بحاجة ماسة إلى آلية أمنية شاملة على مستوى المنطقة، ومن مصلحة جميع الدول التأكد من أن الصين ستتمسك بهذا الموقف.
من المفارقات أن تصرفات الولايات المتحدة الأميركية وبعض حلفائها في المنطقة كان لها تأثير على تقليل حصة الصين في التعاون الأمني الإقليمي، وأحد الأمثلة على ذلك هو تأييد أنشطة استقلال تايوان، فقد ظلت تايوان القضية الأكثر حساسية في السياسة الصينية لأنها أعيدت إلى الصين في نهاية الحرب العالمية الثانية ولم تترك الصين أبداً من حيث السيادة، فالصين تعتبر تايوان من مصلحتها الأساسية، وإذا لم يستطع النظام الدولي المساعدة في حماية سيادة الصين على تايوان، فلن يجد معظم الصينيين أي سبب يدعو بلادهم إلى الاهتمام بهذا النظام.
وبالتالي، فإن نوع الدور الذي ستلعبه الصين في التعاون الأمني الإقليمي لا يعتمد على الصين وحدها، بل على كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها مع مخاوف الصين الأمنية المشروعة.
يجب أن تحاول الصين شرح مواقفها وطمأنة الآخرين بشأن نواياها الاستراتيجية، وعليها أيضاً أن تفعل المزيد لإثبات ما تعنيه من حيث السياسة من خلال تفانيها في ” بناء مجتمع من المستقبل المشترك ” وفيما يتعلق بالتعاون الأمني الإقليمي، يمكن للصين أن تفعل المزيد لإقناع اللاعبين الإقليميين الآخرين بأن الصين الأقوى هي أحد الأصول وليست عائقاً أو تهديداً.
يواجه دور الصين في الأمن الإقليمي لحظة حرجة من إعادة البناء، ومن مصلحة الجميع في المنطقة التأكد من احترام وحماية مصالح الصين في السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، بحيث يكون لدى كل من الصين والولايات المتحدة سبب وجيه للعب دور مسؤول في التعاون الأمني الإقليمي.