الثورة – ترجمة ختام أحمد:
شهد المؤتمر السابع والعشرون للأمم المتحدة حول تغير المناخ، أو COP27، المنعقد في مصر، حقيقتين ترسختا بين المندوبين. الأولى: أن هدف الحفاظ على الارتفاع العام في درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة بحلول عام 2100، قد ضاع بشكل شبه مؤكد، ولمنع هذا يتطلب تخفيضات في الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 – وهو احتمال بعيد الاحتمال.
الاعتراف الثاني هو أنه مهما فعلنا الآن، فإن بعض العواقب غير السارة لتغير المناخ ليست حتمية فحسب، بل إنها تحدث بالفعل.
كانت النتيجة تأكيداً جديداً في COP27 على الحاجة إلى بناء المرونة ضد آثار تغير المناخ في المناطق المعرضة للخطر بشكل خاص، والذي يشكل كوارث متنامية تعتبر تحديات خطيرة لجميع الدول، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فإن أكبرها هو عواقب الهجرة الجماعية، التي وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية هذا العام، فقد استمرت انبعاثات الكربون في الزيادة، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ بكثير من ذي قبل فمن المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 300 مليون طن في عام 2022، انخفاضاً من النمو بنحو ملياري طن في عام 2021.
ويبدو من المرجح أن العالم كان سيشهد ارتفاعاً أكبر بكثير في الانبعاث من الفحم لولا الانكماش الاقتصادي في الصين. علاوة على ذلك، تستمر الاستثمارات الكبيرة في التدفق على استخراج الوقود الأحفوري، ويرجع ذلك جزئياً إلى الزيادة في الأسعار الناتجة عن الحرب في أوكرانيا. ارتفع رقم هذه الاستثمارات حتى الآن هذا العام بنسبة 15 في المئة مقارنة بعام 2021.
تشير التقديرات إلى أن الالتزامات بخفض الانبعاثات التي تم التعهد بها حتى الآن ستؤدي إلى خفض حوالي 2.4 درجة من الاحترار بحلول عام 2100 – أفضل بكثير من التوقعات قبل عقد من الزمن ولكنها لا تزال مرتفعة بشكل خطير. وحذر مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة من أن ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من درجتين سيجعل أكثر من مليار شخص معرضين بشدة لموجات الحر والكوارث الطبيعية ذات الصلة.
هذا العام، تضمنت عواقب تغير المناخ موجة حارة غير مسبوقة في الهند أدت إلى انخفاض كبير في غلة الحبوب، ونتيجة لذلك اضطرت الهند، التي كانت تأمل في تعويض انخفاض إمدادات الحبوب الروسية والأوكرانية من خلال زيادة صادراتها، إلى فرض حظر على الصادرات من أجل حماية أمنها الغذائي المحلي، في باكستان أعقبت موجة الحر فيضانات مدمرة، عانت الصين وأوروبا أيضاً من خسائر فادحة في الإنتاج الزراعي بسبب موجات الحر والجفاف، ما أدى إلى تضخم أسعار المواد الغذائية، على الرغم من أن هذا تم تعويضه إلى حد ما من خلال المحاصيل الجيدة في أستراليا والأرجنتين.
حذرت الأمم المتحدة من أن مزيجاً من تغير المناخ والحرب في أوكرانيا يعرض 45 مليون شخص إضافي حول العالم لخطر المجاعة، تتركز أكبر التجمعات في إفريقيا بما في ذلك منطقة الساحل، حيث يتزامن تأثير الجفاف مع الحروب الأهلية المحلية، وبصرف النظر عن العواقب الإنسانية فقد أدى ذلك إلى القلق بشأن عدم الاستقرار السياسي المتزايد بشكل جذري، والاندفاع الهائل في الهجرة.
ويأمل بعض المعلقين الأمريكيين، في إمكانية تعزيز نوع من المنافسة الشريفة بشأن إجراءات تغير المناخ بين الولايات المتحدة والصين، حيث يحاول كل منهما التفوق على الآخر في تحركاته وفي مناشدته للدول الأخرى، وهناك جزءان لهذه المنافسة: الأول هو الأداء المقارن في خفض انبعاثات الكربون وفي هذا المجال تواجه القوتان العظميان عراقيل شديدة: الولايات المتحدة بسبب الانقسامات السياسية المحلية، والصين بسبب اعتمادها المستمر على الفحم.
أما الجزء الرئيس الآخر والمتنامي للمنافسة بين أمريكا والصين هو مساعدة البلدان الفقيرة والضعيفة لبناء قدرتها على الصمود ضد آثار تغير المناخ، من الواضح أن الموارد المتاحة لهذا الغرض محدودة للغاية بسبب المبالغ الهائلة التي يتم ضخها في الجيوش الأمريكية والصينية كجزء من الحرب الباردة المتصاعدة بينهما. في حالة الولايات المتحدة الأميركية، تبتلع الميزانية العسكرية ما يقرب من 20 ضعف المبالغ المخصصة للمساعدات الدولية.
كما أن انسحاب الصين من التعاون مع واشنطن بشأن تغير المناخ رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتايوان يؤكد أيضاً على الصعوبة الشديدة لمحاولة العمل معاً في مجال واحد مع الاستمرار في العداء الشديد في مجالات أخرى.
على الرغم من أن إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن تصف تغير المناخ بأنه “تهديد وجودي محتمل”، إلا أن السياسة الأميركية مكرسة للتهديدات الأمنية “التقليدية” من روسيا والصين .
ولذلك يجب على المؤسسة الخارجية والأمنية الأمريكية المكونة من الحزبين التركيز أكبر بكثير على الأخطار في الفناء الخلفي لأمريكا في أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.
تعد غواتيمالا وهندوراس وهاييتي من بين البلدان الأكثر تهديداً بنقص الغذاء في الوقت الحالي، مع عواقب واضحة على الاستقرار السياسي والهجرة، ويشاهدون التناقض بين المبالغ التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط مقابل تلك التي تُمنح لجيرانها شيءٌ لا يذكر، مثلاً تتلقى أمريكا الوسطى بأكملها مساعدات أقل من العراق أو الأردن وحده، وتتجاوز مبالغ المساعدات العسكرية لأوكرانيا إجمالي المساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها الولايات المتحدة لأمريكا اللاتينية وإفريقيا كلها مجتمعة.
أحد الأسباب الرئيسة لهذا الإهمال هو أن الولايات المتحدة لا تواجه منافساً قوياً في ساحتها الخلفية، وبالتالي فإن أمريكا الوسطى لا تشكل أي نوع من التهديدات الأمنية “الكلاسيكية” التي تم تكوين المؤسسة الأمريكية لمواجهتها، هذا يؤكد مشكلة أساسية ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة ولكن بالنسبة لمعظم الدول الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند بشكل قاطع: مشكلة النخب والمؤسسات المتبقية. وقد تم إنشاؤها لمواجهة مجموعة واحدة من التحديات، وقد حققت نجاحاً كبيراً؛ لكنهم ببساطة ليسوا مؤهلين ثقافياً ولا مهنياً للتعامل مع عالم متغير جذريًا. أدى عدم التوافق هذا إلى سقوط العديد من الدول الكبرى والأنظمة السياسية عبر التاريخ، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن دولنا محصنة. قد نأمل أن تولد الديمقراطية التغيير الضروري – لكن هذا بالفعل أمل وليس إستراتيجية.
المصدر: ريسبونسيبل ستاتكرافت