الثورة – عبير محمد:
يكتسب الإنسان مناعته الطبيعية ضد الأمراض منذ مراحل تطوره الجنيني، أي وهو ما يزال في رحم أمه، وعند قدومه للحياة يبدأ جهازه المناعي بالتعرف على الأمراض والفيروسات، لتبدأ حياته ومعركة جسده مع الجراثيم، والفيروسات عبر مراحل الحياة، وبالتالي يبقى صراعه مع البقاء مستمراً حتى لحظة تلاشي قدرة مناعته في وجه فيروسات الحياة.
وضمن دورة الصراع تلك يبقى البقاء للأقوى.
ووسط ذلك يبقى مفهوم الأخلاق والقيم الإنسانية، ومفاهيم الحب والرحمة والعفو والشجاعة مفاهيم جوهرية في العلاقات التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وتبقى تلك المفاهيم مصطلحات وضعية، وضعتها المجتمعات، كل حسب عاداته الاجتماعية، وبيئته، لذا بقيت تلك المفاهيم عصية على التفكير والتقييم، وصعبة على التفسير، فما نجده أخلاق تجده بعض المجتمعات تخلف.
لذا لا يمكن تتطابق القيم والمثل العليا بين الشعوب.
ولهذا يمكن القول إن المناعة الأخلاقية تكتسب هي الأخرى اكتساباً ، لذا لابد من زرع قيمنا وعاداتنا الاخلاقية السوية منذ الصغر، في نفوس أطفالنا وبث تلك القيم في الجهاز المناعي الاجتماعي لأطفالنا حتى تصبح الأخلاق واحترام الإنسان هي القيم المناعية التي تحصن المجتمع ضد الموبقات الأخلاقية التي تدمر مناعة المجتمع ككل.
وهنا يمكننا القول بأن اكتساب المناعة الأخلاقية، تأتي من منح أطفالنا الكثير من حرية التجربة، وتقديم لهم الأسوة الحسنة التي تساعدهم في بناء مناعتهم.
فمجمل السلوكيات الاجتماعية المحيطة بنا تصبح فيما بعد جزءاً لا يتجزأ من سلوكنا ومناعتنا الأخلاقية المتسقة مع بيئتنا وعاداتنا الأخلاقية.
سلوكيات البيت والأسرة والمدرسة والنادي الرياضي، تساهم بمجملها منذ الصغر في تأسيس سلوكنا وعاداتنا الأخلاقية التي تحصن الفرد ضد جميع الموبقات اللاخلاقية التي تدمر البنية الأخلاقية للمجتمع ككل.
– تحصين المناعة الأخلاقية..
مع مرور الزمن والوقت تبدأ سلوكيات الفرد بالتغير لتواكب المتغيرات القيمية في المجتمع لذا لا بد أن ندرب أنفسنا على تحصين المناعة الذاتية التي تكفل للشخص تحسين أدائه الإنساني في الحياة، ما يسهم بالتالي على رفع القيم الإنسانية، والحفاظ على ما هو مفيد ونركز على تطوير مناعتنا من تأثير التغيرات السريعة المعاكسة لما هو مكتسب من عادات وتقاليد كنا وما زلنا نفتخر بها، فمثلاً ليس عيباً أن تكون طيب القلب أو أن تقدم المساعدة للآخرين دون مقابل من مبدأ (اعمل خيراً.. وارمه في البحر).
وهنا لابد من القول بأن علينا أن نعلم الجيل الحديث كيفية تحصين مناعتهم ضد الأخلاقيات السلبية وضد السلوكيات السلبية التي تؤثر سلباً دون إدراك، وأحياناً يتبناها الطفل كردة فعل على المجتمع الذي يمده ويغذيه بالسلبيات، فمثلاً الطفل الذي يتلقى التوبيخ يومياً من المدرس لن يستطيع أن يقاوم تلك التوبيخات التي يتلقاها فتتخزن بذاكرته بشكل عفوي ويفرغ ذاك التوبيخ على أصدقائه، وأقاربه وأسرته، لذا علينا تعليم أطفالنا ونحفز تفكيرهم على تفريغ شحنات غضبهم بطريقة معينة، وكآباء وأمهات علينا يومياً واجبات تربوية بلا كلل أو ملل بتكريس السلوكيات الصحيحة لأبنائنا، وهنا لا ننسى دور المدرسة الداعم لدور البيت فالبيت وحده لا يكفي، علينا جميعاً أن نتحد سوية لدعم المثل العليا لتنشئة الجيل الصاعد. فالحب وتنمية العواطف الإيجابية في الحياة تضمن للبشرية قدرتها على الصمود ضد أوبئة الحياة.