الثورة – ترجمة رشا غانم:
في أوائل تشرين الأول الماضي، ونقلاً عمّا يُسّمى بمخاوف الأمن القومي، أعلنت حكومة الولايات المتحدة الأميركية، عن ضوابط شاملة لتصدير التكنولوجيا، ومن ضمنها كان الحظر على الشحنات إلى الصّين على الرقائق لأشباه المواصلات المتقدمة والمصّنعة من أي مكان بالعالم، باستخدام التكنولوجيا الأمريكية، وعلى الّرغم من إصرار إدارة جو بايدن على فعل ذلك، إلا أنّ حلفاءها كانوا مترددين في الانضمام إلى عربة التّحكم في الرّقائق.
ولأنّ ذلك، ليس من شأنه فقط، أن يضرّ بمصالح الشركات في قطاع أشباه المواصلات- والتي من المرّجح أن تُعاني من خسارات اقتصادية هائلة، ولكنّه أيضاً سيضع تلك الدول في وضع غير موات. حيث أعادت قضايا سلسلة التّوريد، والتي تسبب بها كوفيد-19، الأهمية الإستراتيجية لصناعة أشباه المواصلات، ولا تريد الدول الأخرى أن تسلّم مفاتيح مستقبلها إلى واشنطن.
هذا وتقدّم الفجوة بين استهلاك الرقائق وتصنيعها فرصاً هائلة للمصنعين الدّوليين، إذ بلغت قيمة سوق البلد لأشباه المواصلات ما يقارب 186.5 مليار دولار العام الفائت، ولكن تم تصنيع ما يقارب قيمته 31.2 مليار دولار من الرقائق محلياً.
وفي الأوائل من حزيران، عندما حاولت الولايات المتحدة الأميركية إقناع هولندا بحظر تصدير آلات الطباعة الحجرية إلى الصين، أشار بيتر وينينك- المسؤول التنفيذي الأول لشركة أيه إس إم إل، الشّركة الوحيدة في العالم القادرة على صنع الآلات شديدة التعقيد، ـ والمطلوبة لتصنيع أكثر الرّقائق تطوراً- إلى أن الصّين هي لاعب مهم في صناعة أشباه المواصلات، وأنّها المزود الأساس للأسواق العالمية، محذّراَ الدّول والشّركات من أن ” تكون حذرة مما ستفعله أو ستقدم عليه”.
وتمّ التعبير عن وجهة النّظر نفسها في اجتماع مستدير للرؤساء التنفيذيين في معرض إلكترونيكا عام 2022 في مدينة ميونخ يوم 14 تشرين الثاني الجاري، إذ ركّز المشاركون على أنّ شحن مكونات أشباه المواصلات إلى الصّين، يؤدي دوراً هاماً في توزيع كهرباء أنظف، كما أشاروا إلى أنّ اتباع نظام طاقة أكثر خضرة سيزيد بشكل جوهري من الطّلب على أشباه المواصلات، ويساعد على تعزيز الاختراعات.
ومن جهتها حذّرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، إدارة بايدن مؤخراً من أن” أسرع طريقة لفقدان الأصدقاء هي أن تقول إنك إما أن تختار الصين أو تختارنا نحن”.
إن ما يُسمى بنظرية التهديد الصيني مزيفة تماماً وخاطئة، إذ إنّ الصّين والتكنولوجيا الصينية لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة،. ويعود تضخيم الولايات المتحدة لمخاوف الأمن القومي بلا هوادة، لرأيها بأن التكنولوجيا “أساسية للمنافسة الجيوسياسية اليوم”، كما تنص إدارة بايدن في إستراتيجيتها للأمن القومي التي تم إصدارها مؤخراً.
لقد شكلت التكنولوجيا والابتكار عاملاً داعماً لازدهار القيادة الأمريكية الاقتصادي وقوتها العسكرية منذ فترة طويلة، وكما تعلم اليابان وفرنسا ودول أخرى بتكلفتها، ستلجأ الولايات المتحدة إلى إجراءات متطرفة للحفاظ على هيمنتها في التكنولوجيا.
ولكن، كما يحذر الكثيرون في صناعة الرقائق، إذا استمرت الولايات المتحدة في تسييس التكنولوجيا وتسليحها والسعي إلى “الفصل التكنولوجي” مع الصين، فلن يضر ذلك بالصين فحسب، بل سيضر أيضاً بشركائها، نفسها والعالم ككل.