كان كبار السن يقولون: “تركيا قطعت غابات بلاد الشام مشان الشندفير “، طبعاً كان قصدهم بالشندفير، القطار حيث قُطعت غابات بلاد الشام لتسيير قطارات الدولة العثمانية، و ” الشندفير ” أعتقد أنها كلمة تركية وربما هي اسم منطقة في تركيا، حيث وجدت في أحد المقالات التي تتحدث عن مجازر الأتراك ضد الأرمن ذِكرٌ لهذه الكلمة، واقتطعت من النص العبارة التالية: ” كان الألمان يثقبون جبل كاوارادراغ لفتح طريق إلى شندفير “..
غاباتنا اليوم تُدمر، وتراجعت المساحات الحرجية بشكل كبير وغير مسبوق بسبب الحرائق والمتاجرة بالحطب بظل الغلاء وعدم توفر المازوت، ولكن السبب الأكبر والأخطر يعود للتفحيم الذي يستهدف الأغصان والشجيرات الصغيرة، ويذهب الأمر أبعد من ذلك فعملية قص الشجيرات تتم بالمنشار الكهربائي، أي “حلاقة ” للشجيرات الغضة، والتي لا تصلح حتى للتفحيم.
لا يمكن إدانة شخص يقيم وسط الغابة يقطع الحطب لتدفئة أولاده، وهذا كان بقوانين الحراج القديمة، فللمجتمح المحلي حق الاستفادة من الغابة لتأمين حاجاته، ولكن اليوم مع ارتفاع سعر المحروقات وشحها باتت الغابات مرتعاً لتجار الحطب والتفحيم، و سيفاً مسلطاً على المجتمعات المحيطة بالغابات، فقاطعو الحطب المتاجرون والمفحمون يحملون السلاح، ولا يجرؤ أحد على مواجهتهم، وعلى هذه الحال إن امتدت الأزمة لسنوات فإنه لن يبق لدينا غابات.
الأراكيل ستقضي على الغابات، وقد يزيد خطرها على ” الشندفير ” لأنها لن تسمح بنمو أشجار، و بعض الشباب أصبح مقيماً في الغابات لقطع الحطب والتفحيم، والبعض خرج من الخوف وأصبح لديه مكان بجانب منزله للتفحيم.
كثير من دول العالم التي تعاني من تراجع الغطاء النباتي لجأت إلى استيراد الفحم من الدول التي لديها غابات، وبعضها الآخر يعتمد الفحم الصناعي، وما لم يكن لدينا إجراءات شديدة وقرارات حاسمة بهذا الأمر، سنخسر كل غاباتنا، والإجراءات يجب أن تكون باتجاه المنشآت التي تقدم الأراكيل التي تتعامل مع الأشخاص الموردين، و كذلك يجب أن تكون باتجاه الموردين.. فهم الرابط بين ” المُفحمين ” ومقدمي الأراكيل.
الوضع خطير وبحاجة لمعالجة حازمة، وهي أهم من كل خطط التحريج، و كلفتها أقل.
معد عيسى