المسافرون ليلاً يُدركون جيداً كم هي طرقاتنا محفوفة بالمخاطر التي تواجههم في رحلاتهم بسبب ترك الكثير من تلك الطرقات مبهمة بلا إشاراتٍ مرورية ولا دلالات طرقية.
والغريب أننا نجد بعض الطرق والأوتوسترادات السريعة مزوّدة بإشارات ودلالات مثيرة للاستفزاز أكثر مما تفيد، لأن الطريق يكون متقطعاً بما يوحي بأن الاهتمام بهذه المسألة لا يرقى إلى مستوى رفع العتب، بل هو أقل من ذلك بكثير.
ففي الوقت الذي تستريح فيه أعصاب المسافر على مدى عدة كيلو مترات لوجود دلالاتٍ وإشارات وخطوط صفراء عاكسة على جانبي الطريق، يتفاجأ بمقطع آخر يمتد على عدة كيلو مترات أطول خالٍ من كل الوسائل الإرشادية .. فلا لوحة تدل، ولا إشارة ترشد .. ولا خطوط صفراء ولا بيضاء ولا أي شيء يعكس مسار الطريق، ليسير السائق على عماها، ويتفاجأ بمتاهاتٍ حرجة أحياناً، سواء بمنعطفات حادة وغير واضحة المعالم، أم بمنزلقاتٍ وارتفاعات وانخفاضات تخفي معالم الطريق، فتصير السيارات وكأنها تسير بالقرب من المجهول، ولاسيما إن كان الجو ماطراً في مثل هذه الأيام الشتوية، فالطريق – عند غياب الإشارات والدلالات – تبدو وكأنها تبتلع أضواء السيارة، حيث تغيب أنوارها فعلياً ولا يتضح أكثر من أمتار قليلة أمام السائقين ولا حل في الأفق عند مثل هذه الحالة الخطيرة إلاّ بوجود تلك الإشارات العاكسة للضوء والخطوط التي تحدد طرفي الطريق ووسطه، ما يرفع من مستوى الأمان والرؤية والوضوح.
نعتقد أن الجهات المختصة – إن في البلديات أم المواصلات الطرقية – تدرك جيداً حجم الأخطار الناجمة، وتلك التي قد تنجم لاحقاً عن إهمال هذه القضية وعدم متابعتها وملاحقة الطرقات في جميع أنحاء البلاد ،كي لا يبقى مترمعزول بلا دلالات ولا إشارات لدرء ما أمكن من الأخطار التي قد يكون لها منعكسات إنسانية صعبة واقتصادية قاسية عبر الخسائر في الأرواح والدماء والممتلكات.
تلافي هذه الحالة الخطيرة يتطلّب بعض التكاليف طبعاً، غير أنها تبقى تكاليف متواضعة أمام حجم الأخطار، فهي لا تحتاج إلا إلى كميات من الصفائح المعدنية والاسمنت والدهان الفوسفوري العاكس وتحريك آليات هندسة المرور وما يلزم لترتيب هذه الحالات .. وكلّ هذه المواد والوسائل مقدورعليها بلا تعقيدات ولذلك فإن تنفيذها ممكن على جناح السرعة، لأن الحوادث الناجمة عن مثل هذه القضايا تأتينا على حين غرّة .. وقد تأتينا مُتدرّجة في مآسيها وصولاً إلى أن تكون حوادث صاعقة لا يفيد بعدها الندم.
لا شك بأن حالتنا صعبة .. ولكن الذي لا شك فيه أيضاً أننا قادرون على فعل الكثير ونبدو كأننا لا نبادر إلا بالقليل .. فدعونا نفعل ما نستطيع على الأقل لنتلافى ما يمكن تلافيه.