الثورة:
لم يعد السؤال عن مدى أهمية الترجمة في التواصل الثقافي بين الأمم والثقافات, بل غدا : ماذا نترجم وكم نترجم, وهل نلحق بركب الترجمة العالمية, وفي السياق هذا صدرت مئات بل أكثر، من الكتب والدراسات المهمة سواء عن مراكز الترجمة العربية أم عن مؤسسات أخرى معنية بالامر, في هذا الإطار ياتي كتاب
(الترجمة والثقافة)، الفائز بجائزة سامي دروبي للترجمة “المركز الثاني” – العام 2021. تأليف: جان – لوي كوردونييه، ترجمة: زيادة العودة.
وحسب المترجم -تقع الترجمة في قلب العلاقات بين الثقافات، وهي تدعو إلى التفكير بثقافتنا مثلما تدعو إلى التفكير بالثقافات الأجنبية، وفي ذلك أهميتها الكبرى. يعاين هذا الكتاب أسئلتها المفتاحية، ويلقي عليها الضوء من وجهات نظر جديدة، بواسطة علم الإناسة، والتحليل النفسي، والفلسفة، وعلوم اللغة عموماً، ويبتغي أن يجلب لها أجوبة مبتكرة، في الوقت الذي يحدد فيها إطاراً للممارسة. ويعدّ البعد التاريخي للترجمة أولياً، كما يجري النظر في إشكاليات، مثل الأمانة وتعذّر الترجمة.
يعرض الكتاب كذلك دراسة عميقة لطرائق الترجمة المختلفة التي تعاقبت على ثقافتنا منذ نهاية القرن الخامس عشر قبل معالجة التضمينات الثقافية في النصوص، واستخراج عدد من المقترحات التي تضع الترجمات المعاصرة ضمن أخلاقيات متوائمة بين الثقافات.
كتاب (الترجمة والثقافة)، الفائز بجائزة سامي دروبي للترجمة “المركز الثاني” – العام 2021. تأليف: جان – لوي كوردونييه، ترجمة: زيادة العودة، يقع في 399 صفحة من القطع الكبير، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب
وفي موقع تراجم يكتب الدكتور وليد العمري مادة عن الترجمة ودورها في الثقافة ومن المهم أن نتوقف عند ما عنونه حركة تدفق المصطلحات إذ يرى: حركة تدفق المصطلحات وتداول العبارات الحاصلة في العصر الحالي عصر العولمة والوثبات البشرية الكبرى: تأثير الترجمة السلبي على الثقافات (عصر الاحتناك المعرفي).
(وهذا تحديداً هو ما يعُوزُ المحطة الثالثة وهو عصر العولمة والانفتاح الثقافي والانفجار العلمي الذي نعيشه اليوم، وهي أيضاً مرحلة صراع من أجل الهيمنة، وما يهمنا هنا في العولمة هو شقها الثقافي واللغوي، بغرض إبانة التحدي الحقيقي الذي تشهده اللغة والهوية العربيتين في عالم اليوم، وكيف أن واقع اليوم يختلف تماماً عما سبقه في سردنا التاريخي المقتضب هذا، ما يحتم علينا تجديد أساليبنا في التعامل مع قضايا اللغة والهوية، ومن أهمها الاقتراض اللغوي المبالغ في التوسع فيه رغم وجود بديل عربي أصيل في أحيان كثيرة وأهم ما يمكن أن نعزو له علّة هذه الحال هو عدّة عوامل من أهمها:
1. الانفجار المعرفي وكثافة الإنتاج الثقافي الذي يشهده عالم اليوم، إذ هو عالم قائم على الابتكار واقتصاد المعرفة.
2. وسهولة الوصول إلى هذا الطرح الهائل بكل يسر مباشرة دون وسيط في عالم ذاب فيه الحاجزين الزماني والمكاني، وبخاصة مع انتشار وسائل التواصل الحديثة.
3. ما أدى إلى غياب تام للمرشحات الثقافية الذي لا يمكن تشبيهه بشيء حتى في عالم ما قبل عشرين سنة مضت وحسب، فلا حدود ولا حواجز ولا وسائط بين المنتج والمتلقي.
4. وما فاقم الأمر هو انهيار المرجعيات التي من شئنها –وبسبب مقامها الذي يكُبر في صدور الناس- ولو على نحو لاحق للحدث، أن تبيّنه وتفرّق غثه من سمينه؛ وكل هذا يؤدي حتماً إلى الذوبان اللغوي والثقافي في الآخر(١١).
وعلينا أن ندرك أن اللغة الإنكليزية –وهي أكثر لغة التي تُترجِم عنها أغلب الشعوب اليوم، والعرب ليسوا استثناءً بحال، وهي لغة التواصل العالمي (Lingua Franca)- لغة متنمّرة شبّهها جون سوالز١٣) بالديناصور المفترش ذو الفك الفولاذية المعروف بـ (Tyrannosaurus rex)، وحذر من تأثيرها على اللغات الأخرى الباحثين (بل وشبَّهت كارن بينت تأثيرها بإبادة النمط المعرفي (epistemicide)، وهذا ما يُخشى حدوثه للنمط المعرفي العربي لو استمر الحال على ما هو عليه.