تزداد الظواهر الخطرة في مجتمعنا،لأسباب مختلفة يتعلق الكثير منها بآثار وتداعيات الأزمة والحرب على سورية، كما يتعلق القسم الآخر بسوء الإدارة وعدم معالجة أسباب هذه الظاهرة أو تلك رغم تفاقمها ورغم إمكانية المعالجة.. ودون الدخول في تعداد تلك الظواهر، أشير اليوم إلى ظاهرة الدروس الخصوصية، التي وصفت بأنها مرض مزمن تراكمت أسبابه، وتفاقمت أعراضه، وبأنها أزمة سرطانية يصيب انتشارها مجمل الجسم التعليمي بالضعف والهزال، وبأنها أحد مظاهر التسليع التربوي، ففي ظلها أصبح التعليم سلعة تباع وتشترى لمن يدفع الثمن، وفي أي مكان وزمان، كما اعتبرها البعض تجارة في سوق سوداء للتعليم، ونبتاً شيطانياً يثقل كاهل الأسر، وتتاجر بها فئة آثرت استغلال الطلب المتزايد على التعليم، ليتحول بعض رؤوسها إلى قوة اجتماعية ذات ثراء فاحش مصدره الاتجار في سلعة التعليم..
إن لهذه الظاهرة سلبيات لاتعد ولا تحصى، ولعل أبرزها نظرة بعض الطلبة إليها على أنها وسيلة مختصرة للتعليم، وفتح شهية بعض المعلمين لتكوين أرصدة مالية ضخمة، حيث أدت إلى اشتغال بعضهم بالتجارة التعليمية، والاستقالة الطوعية من مهنة التعليم في المدارس، واللجوء إلى التحايل على الكسب غير المشروع، والفساد والإفساد خلال ممارسة بعضهم لأعماله، وتهاون بعض المعلمين في أداء واجباتهم داخل الصفوف المدرسية، وإرهاق ميزانية الأسرة، وتهديد مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، لأن معظم من يلجؤون إليها هم من ذوي المستويات الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة، ويُحرم منها كثير من أبناء الفقراء، وإضعاف احترام الطلبة لمعلميهم، والحط من قيمة المعلمين وإضعاف قيمة المدرسة، وتقليل احترام الطلبة لسلطتها، وإضعاف التزام الطلبة بالمثل والمبادئ المجتمعة العليا، خلال ما يرونه من تهافت أساتذتهم على المال، وتكالبهم على المنافع الشخصية المادية..الخ.
ولعل الأكثر خطورة في هذه الظاهرة، أنها -كما قلنا سابقاً ونقول اليوم -لم تقتصر على طلاب الشهادات الذين يبحثون عن زيادة بعض العلامات للدخول إلى التعليم الثانوي العام أو إلى كليات جامعية بعينها ..إنما تعدتهم لتصل إلى التلاميذ في الصفوف الأولى من مرحلة التعليم الأساسي، حيث بات معظم الأطفال في الصفوف الأول والثاني والثالث والرابع و… الخ ضمن دائرة استهداف نسبة غير قليلة من معلميهم ومدرسيهم، عبر التقصير المتعمد في تعليمهم ضمن الصفوف المدرسية، وعبر ابتزازهم وابتزاز أهلهم بطرق مختلفة وصولاً إلى إدخالهم ضمن شباكهم ومصائدهم، بعيداً عن أي قيم أخلاقية وتربوية يجب أن نربي أطفالنا عليها!
طبعاً أبطال هذه الظاهرة يجدون الكثير من الحجج التي تدفعهم للتمادي فيها، كضعف رواتبهم وزيادة متطلبات معيشتهم، وضخامة المناهج الحديثة ..وأهالي التلاميذ يقدمون الكثير من المبررات للانخراط بها، كضعف مستوى التعليم في المدارس، وزيادة المعدلات الجامعية، ولجوء معظم الأسر للدروس الخصوصية ..أما وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات فقد استسلمت على ما يبدو لهذا الواقع بحجة أن المجتمع ساهم ويسهم في انتشارها وبات من الصعب جداً القضاء عليها!
السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء ماتقدم هل عجزت التربية ونقابة المعلمين والجهات ذات العلاقة بتربية الجيل حقاً عن معالجة هذه الظاهرة الخطرة ؟