ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
تحار المفردات في اختيار ما تجزم انه يناسب الحديث عن يوم مفصلي، لا يكتفي بتغيير وجه الحدث واتجاهه، بل يشمل تعديلات في مزاج الجغرافيا التي ما فتئت تبحث عن أشرعة تناسب رياحاً ليست رياحها، لكنها تنسجم مع رغبتها في انزياح الخرائط الملازمة لها على مدى قرابة قرن عنوة عن أحكامها ومقتضاها.
فيما الفواصل التي تقتضيها عملية اصطفاف الجمل الملازمة لها تتحرك في اتجاهات متباينة، وغالباً ما تواجه عسفاً سياسياً على وقع ما يجري من تبدلات عاصفة ومفاجئة وغير محسوبة, بعد أن وجّه السوريون يوم الثامن والعشرين من الشهر الماضي رسائل أولية بما هو قادم.
وسط هذا التموج يتجه السوريون إلى صناديق الاقتراع وقد سبقتهم إليها عشرات وأحياناً مئات من التكهنات والاستنتاجات المسبقة، والتي تميل إلى التشكيك حيناً والتقليل أحياناً أخرى. رغم أن الفاصل المنشط الذي مارسه السوريون باقتدار على مرأى من العالم وتحت أنظار الرقابة الإعلامية والسياسية التفصيلية والمتمعنة، كان كافياً من الناحية النوعية والكمية لإغلاق أفواه الكثيرين, وإعادة النظر في التهيّؤات الخارجة من متاريس الرفض العدائي.
فاليوم الانتخابي الطويل الذي يريده الســــوريون يومـــــاً فاصــــلاً وحدّياً بين مرحلتين وتاريخين يسجل بالوقائع والأرقام مساراً جديداً.
على هذه القاعدة يميل اليقين السوري من جديد باتجاه كفة الوطن التي تعني في المعيار السياسي والوجداني طوفاناً بشرياً جديداً باتجاه المراكز الانتخابية بعيدا عن الصورة الافتراضية وخارجها بالمطلق، ومن دون الأخذ بالكثير من المقولات وتحديداً تلك التي تكون اقرب إلى الشائعات والتسريبات، وبعضها مفخخ، وفيه الكثير من الأكاذيب المتعمدة.
فالواقع العملي يملي جملة جديدة من الاعتبارات التي تتسابق في أولويتها ونهجها على نطاق الأخذ بها كمسلمات غير قابلة للنقاش ولا الجدل، وتتصدرها حتمية المشاركة الشخصية، وإن أعداد الحشود لا تعني إعفاء لأي أحد من خارجها، بل تقتضي أن يكون جزءاً منها، للمشاركة أولاً وللرد على الحملات المغرضة والتسريبات الكاذبة ثانياً.
والتجربة التي صقلتها سنوات من المواجهة والتحدي وصوغ الإرادة تقتضي العمل الحثيث على جبهات متعددة في الآن ذاته اعتماداً على عوامل القوة التي تتضمنها المشاركة، ليس بكونها فعلاً إرادياً يقوم على الحاجة للتعبير عن الذات، بل ايضاً باعتبارها تعكس إرادة جمعية تساهم في صياغة القرار الوطني والتعبير عنه.
لا يحتاج السوريون إلى من يذكرهم بالكثير مما كانوا يتفوقون به على الآخرين، ولا إلى تأكيد ما هو مؤكد بالنسبة لهم على نطاق القرار والمشاركة والخيار والاختيار، وصولاً إلى العمل على تحديد منظومة قيم وطنية كانت وستبقى دليل عمل في نطاق فهم متطلبات النهوض بالعمل الوطني وتأدية مستلزمات الاستحقاق.
العنوان بالنسبة للسوريين بات صريحاً وعلنياً ومحدداً بوضوح في سياق التفاعل مع التطورات، وفي سياق رسم الغد الذي من أجله كانت التضحيات، وفي سبيل الوصول إليه خاضوا مجابهة مفتوحة على نطاق عالمي واتساع كوني، يدركون أن فصولها لمّا تنته بعد، لكن في الوقت ذاته يعرفون وباليقين الحسي والملموس أن إنجاز الاستحقاق والمشاركة الأوسع فيه تضيف إلى كفتهم عوامل إضافية من المنعة تحضيراً للجولات القادمة بعد أن حسموا ما مضى منها.
وفي التفاصيل يتقن السوريون اختيار مفرداتهم ويتقنون أكثر صياغة مصطلحاتهم وأساليب تعبيرهم في مشهد يتنقلون فيه بين فصول المواجهة المفتوحة، وأصابعهم التي صنعت صموداً أسطورياً هي ذاتها التي تعمل على صياغة غد أكثر إشراقاً، وأبرز حضوراً في صناديق الاقتراع.
لسنا بوارد الحديث المفصل عن كثير من البديهيات رغم الحاجة أحيانا للتعاطي معها وعبرها، ولا نحن في صدد تعداد اللائحة الطويلة من المسلمات التي خرجت إلى العلن، لكن في معيار اليقين السوري ثمة مشاهد تفرض نفسها على لوحة الوطن، الذي يحتاج إلى سياج من الإرادة والصمود، ويقتضي أن تكون لبنات بنائه نابعة من تصميم السوريين ومن أعماق ثقتهم بهذا الوطن الذي تحصنه تضحيات الشهداء وعطاءات السوريين في مختلف المجالات، ونحن على بوابة مفصلية ستغلق على ما بعدها، وما قبلها لا يصلح إلا للاستئناس في جدولته.
a.ka667@yahoo.com