ها قد دخل العام الجديد في أول أيامه فاتحاً أبوابه لتيارات طويلة عريضة من الآمال، ولكنها تمشي تحت ظلالٍ من الترقب ومن المخاطر، والمؤشرات التي تخفف كثيراً من شدة تلك التيارات بعد أن دفق علينا العام الذي مضى لتوّه مزيداً من مؤشراته غير المُطمئنة، التي افتقرت في واقع الأمر إلى حسن التعاطي للعديد من الجوانب، وتميّزت بالكثير من المعاناة، ولاسيما لجهتي الحكومة والناس الذين تكبّدوا الكثير.
البعض في مؤسساتنا الحكومية كانت حجتهم في هذا الواقع (الحرب والحصار) وحمّلوا على ذلك جوانب التقصير وقلة الاهتمام، ليعفوا أنفسهم من اجتراح الحلول الممكنة فعلاً وخلقها ومن أي عملٍ جدّي يساهم في صدّ المآسي التي تراكمت على جراء أزماتٍ متلاحقة لم تهدأ ولم ترحم.
صحيح أن الحكومة تتكبّد الكثير من الجهود والنفقات جراء الحرب والحصار، ولكنها هي الجهة الوحيدة التي تمتلك المال والصلاحيات معاً، وهي المعنية الأولى بتحسين شؤون الناس وأحوالها، ولديها الكثير من الإمكانات التي تساعد في مكافحة الاختناقات الهائلة التي تشتدّ يوماً وراء يوم على الأعناق، ولكن الكثير من المؤسسات الحكومية لم نلحظ أبداً أنها بادرت إلى ذلك، فبدت الأموال المتاحة متروكة تغص بها البنوك على سبيل المثال لا الحصر.
وقد وعد بيان الحكومة بأنّ (تحسين مستوى معيشة المواطنين يُعدّ الهاجس الأهم للعمل الحكومي، والهدف الرئيس للسياسة الاقتصادية للحكومة، ولاسيما في ظل الصعوبات التي واجهت معيشة المواطنين بسبب مفرزات الحرب الوجودية المفروضة على بلدنا.. وستستمر الحكومة باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تحقيق هذا الهدف، سواء من خلال الزيادات المدروسة للرواتب والأجور أم متمماتها، ومن خلال تخفيض تكاليف المعيشة، وتعزيز القوة الشرائية للعملة الوطنية، وضبط الأسواق والأسعار)، ولكننا بعد أكثر من سنتين على ذلك البيان نرى كيف أن مستوى المعيشة تردى أكثر، رغم إدراكنا لحجم الحصار والعقوبات، ولكن ثمة فرص متاحة، فسورية غنيّة جداً بطاقاتها وإبداعاتها وخيراتها.
أما بالنسبة للناس الذين يتكبدون الكثير من المعاناة فقد اكتفى أغلبهم بالندب والشكوى، وصبّ جام غضبهم على ذلك الأداء الحكومي واستعراض ما يعانون منه عبر جلساتهم وأدبياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والمؤسف هنا أن الأغلبية تسقط من حساباتها الحديث عن الحصار وتفهّم آثاره، ويُغيّبون ما تتعرض له البلاد من عدوان ونهب للثروات والمقدرات ومحاولات شللها وتعطيل كل شيء..! وكان من المفترض أن نحثّ بعضنا على الصبر، وأن نحاول خلق المبادرات، ولكن البعض راح يُضخّم المعاناة أكثر مما هي أصلاً..! وهذا لا يجوز، فليس كل ما يحلّ بنا من الحكومة رغم قدرتها على التعاطي بشكلٍ مختلف.
تغييب الحقائق يشكل حلقة مفقودة تشوّه المشهد، بما لا يقلّ سلبيةً عن تلك الحلقة المفقودة في الأداء الحكومي وقتما يقلّ الاكتراث بالطاقات والإبداعات والخبرات المتاحة.
كم سيكون جميلاً في هذا العام الجديد أن تعاد الحسابات، ونعثر على الحلقتين المفقودتين معاً..! ليغدو كل عام والناس والحكومة بخير.
السابق