الملحق الثقافي – حبيب الإبراهيم:
ثمّة تساؤلات يطرحها العاملون في ميدان التربية والتعليم تلخّص معاناتهم وقلقهم المشروع حول ضعف التلاميذ والطلبة سواء في المدارس أو الجامعات في اللغة العربية، تصل أحياناً إلى حدّ الصراخ ودق ناقوس الخطر، وضرورة التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ورفع مستوى التلاميذ والطلبة في اللغة العربية وتحسين مهاراتهم وتعزيز قدراتهم اللغوية وتنمية الحس الجمالي في نفوسهم وسلوكهم.
اللغة العربية هي اللغة الأم ومن المفترض إتقانها قراءة وكتابة وتحدثاً في الصف والمدرسة على أضعف الإيمان ؟!
ونادراً ما نجد الاهتمام الكافي عند الكثير من الطلبة باللغة العربية متذرّعين بصعوبتها أحياناً وكثافة المعلومات التي تتضمنها المناهج الدراسية أحياناً أخرى؟!.
إنّ الضعف الذي يعانيه التلاميذ والطلبة في اللغة العربية لا يمكن تحميله لجهة بمفردها، إنما هي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة مروراً برياض الأطفال ثم المدرسة فالجامعة، وتتوزع هذه المسؤولية بين الأولياء واهتمامهم بلغة أبنائهم والمعلم والمدرس، وومدى تشجيعه طلابه على القراءة وتحفيزهم على الارتقاء بهذه اللغة، إضافة إلى المناهج الدراسية وكثافتها، وليس انتهاء بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والفضاء الأزرق، وتكريس اللهجات العامية والإسفاف والابتذال، والابتعاد عن الفصحى تحت ذرائع واهية مثل أن العامية أسهل وأبسط ويمكن فهمها بيسر وسهولة .؟
إنّ اللغة العربية بمختلف أقسامها تعدّ من أغنى اللغات حيوية وجمالاً، حيث تمتاز بالغنى والثراء اللفظي والبياني، ويمكن للطلبة مهما كانت مستوياتهم التعليمية تذوقها وفهمها وحفظها عندما يتهيأ لهم المعلم او المدرس المُلّم والموهوب والقادر على تحبيب الطلبة بلغتهم وجذبهم إليها بالإسلوب الشيّق والرشيق …إضافة إلى المنهج الدرسي المبسط الخالي من الحشو والإطالة واعتماد الأساليب التربوية لإيصال المعلومة بعيداً عن القسر والإكراه …؟!
من منا لا يتذكر معلم ومدرس اللغة العربية في مراحل الدراسة الإبتدائية والإعدادية والثانوية قبل أكثر من أربعة عقود ؟
من ينكر البصمات التي تركها مدرس العربية في مسيرة كل منا ووقوفه إلى جانب الطالب الموهوب والأخذ بيده تحفيزاً وتشجيعاً ؟
نعم للمعلم والمدرس دور كبير في تشجيع الطلاب على القراءة والمطالعة والكتابة وتقوية المهارات اللغوية، من خطابة وفصاحة وإلقاء و…لذلك يتوجب على معلم ومدرس العربية أن يولي اختصاصه جلّ الاهتمام والتزود الدائم بالمعارف الجديدة، وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي درسها في الجامعة.
ثمّة أمثلة مثيرة عن ضعف أو تقصير لمعلم أو مدرس من الناحية اللغوية لا يمكن قبولها أو تبريرها …لا نستطيع أن نعفي معلماً من المسؤولية عندما يكتب على الجلاء المدرسي (تلميذة مأدبة ) ويقصد (مؤدّبة ) ومدير مدرسة عندما يكتب (باشرة المدرّسة ) ويقصد (باشرت ) حتى وإن كان يحمل الإجازة في الرياضيات .
لا يمكن تجاوز حالات الضعف في اللغة العربية عند الكثير من التلاميذ والطلبة إلا بالقراءة والمطالعة ومصاحبة الكتاب والتشجيع على استعارة الكتب من المكتبة المدرسية، وتأسيس نواة مكتبة منزلية من خلال إهداءات تقدمها المدرسة، أو من خلال معارض الكتب والتي نأمل أن تصل إلى القرى والأرياف البعيدة، وتعزيز المهارات اللغوية حديثاً وكتابة ًوخطاً، وتحفيزهم من خلال المسابقات والأنشطة المنوّعة، ونشر نتاجهم عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وكان لنا تجربة ضمن هذا الإطار على مستوى المدرسة من خلال دعم المكتبة بالإصدارات الجديدة من خلال إهداءات مقدّمة من منشورات اتحاد الكتّاب العرب، وتخصيص أسبوع لدعم المكتبة من خلال أصدقاء المدرسة من مدرّسين ومهتمين وإدخالها أصولاً للمكتبة، وتلقي نتاجات وكتابات التلاميذ الأدبية من شعر ومقالة وقصة وخاطرة و..ونشرها عبر صفحة المدرسة على وسائل التواصل الاجتماعي.
المعلم قدوة لطلابه تربوياً وعلمياً، وعليه صقل ما لديه بصورة دائمة سواء من حيث الخط أو الإسلوب أو…
إنّ المسؤولية الملقاة على المعلم في رياض الأطفال ومرحلة التعليم الأساسي يتطلب من وزارة التربية تمكين معلم اللغة العربية من حيث التحدث والنطق والقواعد والخط والكتابة والتعليم و….وتعزيز المهارات اللغوية لديه من خلال الدورات التخصصية المتتالية حتى نضمن مخرجات تعليمية جيدة ومتوازنة.
تتعدد الطرق والوسائل لتمكين الطلبة من لغتهم، ولعل تجربة التخصص في الصفين الخامس والسادس والتي طبّقت لفترة محدودة وتم إلغاؤها كانت أكثر جدوى، وكانت مخرجاتها أكثر فاعلية وأفضل مستوى، نأمل من وزارة التربية دراستها والعودة إليها وخاصة أن آلافاً من المدرسين قد عيّنوا في السنوات الأخيرة.
كما لا بد من الإشادة بمسابقة تحدي القراءة على مستوى المدارس والمناطق والمحافظات والقطر بالتنسيق بين وزارة التربية واتحاد شبيبة الثورة والتي يمكن أن تقدم الكثير من المواهب والطاقات الإبداعية كل عام.
تشجيع التلاميذ والطلبة على زيارة المراكز الثقافية والاطلاع على مكتباتها وتشجيعهم على الاستعارة بالتنسيق مع إدارات المدارس.
في يومها العالمي تستنهض اللغة العربية همّة الأبناء للاهتمام بها وجعلها في أولوية اهتماماتهم قولاً وتطبيقاً، فهي لغة التعبير الأولى عن نواحي الجمال والبهاء في مختلف نواحي التميز و الإبداع.
قولا ً واحداً نحن بحاجة إلى تضافر جهود الجميع لرفع مستوى أبنائنا الطلبة في لغتهم العربية، اللغة الأم عنوان الهوية والوجود ، وحثهم وتشجيعهم على إتقانها واستيعابها حديثاً وقراءة ً وكتابة، وجعلها ليست لغة تعلم فقط بل لغة حياة، لأنّها كما وصفها الشاعر حليم دموس :
(لو لم تكن أم ّ اللغات هي المنى
لكسرت أقلامي وعفت مدادي
لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا
كانت لنا بردا ً على الأكباد ِ
ستظل رابطة ً تؤلّف بيننا
فهي الرجاءُ لناطق ٍ بالضاد ِ
العدد 1126 – 3-1-2023