النقد علم وتذوق

الملحق الثقافي- علم عبد اللطيف:
ظهرت مدارس النقد في العالم، أوروبا خاصة، إثر التحولات الكبيرة في الحياة، ولم تكن منفصلة عن جملة التطورات في الثقافة والفن والاجتماع والاقتصاد والسياسة، وتساوق تطورها وأهميتها مع كل المجالات الأخرى، وانسحبت مفاعيل عصر التنوير. بمبادئه وأدواته على طاقة الإنسان الحر، فتوالت الاكتشافات العلمية وتغير وجه العالم.
المدارس النقدية في الغرب لم تنفصل عن متعلقاتها في الأدب عموماً، وبدا النشاط الفكري والعقلي محركاً لكل تلك الظواهر.
تمت مأسسة النقد باعتباره علماً وتم ربطه بالنتاج الأدبي والثقافي بتأثير مدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفة النقدية مرتبطة بمعهد الأبحاث الاجتماعية في جامعة غوته في مدينة فرانكفورت، ضمّت مدرسة فرانكفورت التي تأسست في جمهورية فايمار (1918-1933) خلال فترة ما بين الحربين العالميتين (1918-1939) المفكرين والأكاديميين والمنشقين السياسيين غير المتفقين مع الأنظمة الاقتصادية-الاجتماعية المعاصرة (الرأسمالية، الفاشية، الشيوعية في ثلاثينيات القرن العشرين، اقترح مفكرو مدرسة فرانكفورت أن النظرية الاجتماعية غير كافية لتفسير الفصائلية السياسية والسياسات الرجعية التي تحدث في المجتمعات الليبرالية الرأسمالية في القرن العشرين، وفي نقدها للرأسمالية وللماركسية اللينينية كأنظمة تنظيم اجتماعي غير مرنة فلسفياً، أشارت أبحاث مدرسة فرانكفورت في النظرية النقدية إلى مسارات بديلة لتحقيق التنمية الاجتماعية للمجتمع وللأمة.
بُني منظور مدرسة فرانكفورت في البحث النقدي (القائم على النقد الذاتي وغير المحدد بأمد) على الأسس الفرويدية والماركسية والهيغلية للفلسفة المثالية، ولإكمال ما أغفلته ماركسية القرن التاسع عشر الكلاسيكية التي لم تعالج مشاكل القرن العشرين الاجتماعية، قام رواد المدرسة بتطبيق علم الاجتماع اللاوضعي لـ التحليل النفسي والفلسفة الوجودية، تم اقتباس أعمال المدرسة في العلوم الاجتماعية من توليفات من الأعمال وثيقة الصلة موضوعياً لـ إيمانويل كانط وجورج فيلهلم فريدريش هيغل وكارل ماركس وسيغموند فرويد وماكس فيبر وجورج سيمل وجورج لوكاش.
اهتم أعضاء مدرسة فرانكفورت بالحالات (السياسية والاقتصادية والمجتمعية) التي تسمح بالتغيير الاجتماعي الذي يتحقق عبر المؤسسات الاجتماعية العقلانية، استمد التشديد على المكون النقدي للنظرية الاجتماعية من تجاوز الحدود الايديولوجية للفلسفة الوضعية والمادية والحتمية، من خلال العودة إلى فلسفة كانط النقدية وخلفائه في المثالية الألمانية – بشكل أساسي فلسفة هيغل التي شددت على الديالكتيك والتناقض كخصائص فكرية متأصلة في إدراك الإنسان للواقع المادي.
ومنذ ستينيات القرن العشرين، قام يورغن هابرماس بتوجيه أبحاث النظرية النقدية لمعهد البحث الاجتماعي في مجالات العقلانية التواصلية واللسانيات والذاتية-المشتركة اللغوية والنهج الفلسفي للحداثة.
وفي مدارس اللسانيات، البنيوية وما بعدها، ثم في مدارس السيميولوجيا، تمأسس النقد، وأصبح حاجة تعطي النصوص قيمتها لا في مستوياتها فقط بل باعتبار أي نص أدبي هو جزء لا ينفصل عن الحياة وسيرورة الثقافة عموماً.
في منطقتنا لم تتم مواكبة الحركة النقدية ويكفي أن نعرف أن أول ترجمة تتعلق بالبنيوية كانت في ستينات القرن الماضي، قام بها السوري بدر الدين عرودكي.
حتى بعد تتالي الترجمات المتعلقة بالمدارس النقدية بدت هذه الترجمات اهتمامات شخصية في مصر ولبنان والعراق..وفي بلدان المغرب العربي.. ولم تنفصل عن أسّها الغربي.. وإن كانت قد فصّلت في بعض طروحات المدارس النقدية..إلا أنها لم تضف إليها خاصية تعزى لها.. وبقيت جهود جامعة عين شمس في القاهرة.. منحصرة بمجلة فصول النقدية.
بالعودة للمشهد النقدي في بلادنا.. نتعرف على محاولات قليلة من قبل أكاديميين ومختصين.. بدا نشاطهم المشكور.. مواجهاً لحالة عامة في الثقافة.. حالة انفلات الكتابة بوجود وسائل التواصل الاجتماعي.. ومن المفهوم أن تشمل ما يقصدون به النقد. إلا أنه يفتقر إلى منهجية النقد أولاً.. وإلى مشروع النقد ذاته.
يشار بهذا الخصوص..إلى قراءات في بعض الكتب.. وهي حقيقة تقديم للكتاب.
هذا التقديم يتم في إطار تسويق الكتاب.. إن في حفلات توقيع الكتب.. أو من قبل دور النشر ذاتها.. ومن الواضح..إن هذه الظاهرة..لا تتصل بشكل وثيق بالمنتج الأدبي والثقافي ولا تحايثه.. باعتبار محاولة الإضاءة على الكتاب..هي في الأغلب نشاط غير مؤسس له أكاديمياً ومعرفياً.
التسويق..هنا يتم اختزال ظاهرة تقديم الكتب.. تسويق المنتج..ثم تسويق الناقد لنفسه إذا جاز لنا أن نمنحه هذه الصفة.. ثم تسويق الكاتب.
أخيراً..لا بد من القول..إن ظاهرة مايدعى نقداً عندنا..لا تنفصل عن البنية الثقافية عموماً.. تشبهها وتتساوق معها.. ولا يمكن تصور أو فهم تطور وتقدم ظاهرة أو مشهد معين.. منفصلة عن جملة الظواهر الأخرى في الفكر والمعرفة.. تلتقي ببعضها في تواضعها وخيبتها.

العدد 1126 – 3-1-2023

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم