نقــــــد أم انتقــــــاد..؟!

الملحق الثقافي- دلال إبراهيم:
لن أدعي وأقول أنني على إطلاع واسع بعلوم النقد الأدبي، أو بنظرياته ومناهجهه وكذلك مدارسه، ولم يسبق أن قرأت كتاب يعني بالنقد الذي يتناول مختلف الأعمال الإبداعية ومعرفتي بالنقد وما له وما عليه لا يتعدى معرفتي بالنظرية النسبية لاينشتاين. ويهمني أن أقرأ العمل من صاحبه دون وسيط بيننا ولكن لا زلت من أيام دراستي الجامعية احتفظ بذاكرتي مقولات مرت معنا لأدباء فرنسيين تصف النقد، مثل قول الشاعر بودلير، الذي وصفه بأنه «المنظّر للجمال» ولبودلير وشعره وأزاهير شره حيز إعجاب واسع لدي وأيضاً أذكر بإعجاب رأي الكاتب شاتوبريان والذي كان له الحصة الكبيرة في دراستنا حين وصف النقد في كتابه (عبقرية المسيح) بأنه « نقد مواطن الجمال « أو تعريف راق لي وحفظته في ذاكرتي، لا أعرف قائله، يقول عن النقد بأنه « فن تذّوق الآثار الأدبية «.
بيد أننا بدأنا نلمس في الآونة الأخيرة تهافت بعض الدارسين والباحثين على إفراز القراءات الانطباعية، على أعمال إبداعية، إنطلاقاً من ربط الإبداع الأدبي بالذات في تمظهراتها الواعية وغير الواعية، ومعرفة تصور المبدع للحياة والوجود الإنساني، في شكل مقولات ثيماتية محورية وموضوعات بارزة وهذا النوع من النقد كما يلحظ الجميع يحركه فن المجاملة والمحاباة للمبدع ليرفعوا من يشاؤون إلى القمة ويسقطوا أدباء في عالم النسيان.
وضمن هذا السياق، نذكر كيف أن رواية (موبي ديك) للكاتب الأميركي هرمان ملفيل لم تلق القبول الحسن من قبل النقاد حين صدورها في عام 1851وعاش كاتبها خيبة أمل، وليموت مجهولاً في نهاية القرن التاسع عشر في القرن العشرين بدأ النقاد وأساتذة الجامعات يهتمون بهذه الرواية وصاروا يكتبون عن جمالياتها مما جعلها تحتل مكانة مرموقة بين الروايات العالمية، وبالمثل لم تلق رواية غاتسبي العظيم (1925) للروائي الأميركي سكوت فتزجيرالد القبول في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لتتحول في الخمسينات إلى تُحفة فنية وفي السبعينيات تُعد من روايات فحول الأدب الأميركي وتحتل المرتبة الثانية بين أفضل مائة رواية أميركية وفقاً لتصنيف المكتبة الحديثة (Modern Library) في أميركا.
علاوة على أننا صرنا نشهد هذا التداخل المريع وانزياح الحدود بين مفهوم النقد الموضوعي مع مفهوم الرأي الشخصي، ممن يرون أن لديهم الحق في نقد أي عمل إبداعي، بينما يرى الناقد الحيادي أن التعبير عن رأيه ونقد النصوص هو واجب يقوم به، واجب يفرض عليه أن يعطي رأياً في محتوى معين، فالمسألة لا تخضع لرغبة في التعبير عن الرأي وإنما في إخضاعه لمبضعه والبحث عن مكامن الجمال ولكن في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية ذابت كل هذه الفوارق، ولم يعد هناك أي حدود، وربما الخلاف بدأ قبل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شهدنا تلك الخلافات مع ظهور الأعمال النقدية في الصحافة الورقية منذ سنوات طويلة.
والجدير بذكره، أن هذا النقد سواء أكان الذي نقرأه على مواقع التواصل أو الصحف بشقيها الإلكتروني أو الورقي يتميز بأنه ذو وتيرة سريعة وخاطفة يتطرق لبضع جوانب من النص أو بضع عناصر منه – كبنائه أو لغته أو صوره وأخيلته – ويمر على النص مروراً خاطفاً في حين يمكن أن يمثل جانباً سلبياً إذا ما تم التعامل معه بطريقة اعتباطية تخضع للذاتية والمجاملات و»صالونات ومنتديات الصداقات والشللية» الطاغية في الوقت الحالي، ولينتج عنها نصوص نقدية ضعيفة التحليل والدراسة، ذات أحكام جزافية وآراء بعيدة عن الموضوعية لا سند لها وإن كان الناقد انتقامياً يبحث في النيل من كاتب النص فإنه يسعى لتصيد الأخطاء وتشويه الإبداع لاسيما مع بروز ظاهرة بدأت تطغى على الساحة الثقافية – وللأسف – وهي تصفية الحسابات عبر النقد الأدبي السلبي للأعمال الإبداعية بغرض التشويه والمحاربة، سواء أكان النقد الذاتي أو النقد المأجور والمستهدف لعمل بعينه، ضاربين عرض الحائط بالنقاط الإيجابية في النص من دون الاستناد على معايير واضحة، ومقاييس متعارف عليها، بل تعسفاً وقلة دراية في الوقت الذي لا بد أن يتحلى بالشروط والمعايير النقدية، لكي لا تحيد مهمته عن مسارها، ويخون الأمانة بصفته جسراً بين المبدع والمتلقي وعلت مقابل تلك أصوات النقاد الأكاديميين الذين يتهمون هذا النوع النقدي بالسطحية والتسرع والمجازفة وإطلاق أحكام اعتباطية تفتقر للمنطق والموضوعية، ترمي فقط إلى التشهير والتجريح وتشويه النص، وبالتالي إنتاج نقد يستند على الآراء الشخصية والذاتية وظهور علاقات التوتر والمهاترات حتى تضاءل دور النقد والناقد، ولاسيما إثر تنحية الدور الإعلامي للناقد الأكاديمي رغم أكاديميته وتخصصه وإتاحة الفرصة له للوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور.
وإن كان لا بد لنا من الإقرار أنه من الصعب أن يتمسك النقد بحرفيته المنهجية والموضوعية، ولكن ليس صعباً عليه أن يبتعد عن ضغينته، لكي لا ينتهي عمله النقدي إلى عموميات وفرضيات وحتميات ضيقة لا تعدو أن تكون رؤية مجردة للفكر. ويتعارض مع مقولة هيغل في أن « الجمال هو التجلي الحسي للفكرة «
وهذه النتاجات النقدية السطحية كلها وأحكامها الاعتباطية ابتعدت عن معايير الناقد الذي حددها شاتوبريان بأن يكون «رقيباً صلباً وصالحاً يهتدي بالعقل، ويستنير بالمعرفة»

العدد 1126 – 3-1-2023

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم