فؤاد مسعد:
اصطُلح في العديد من المناسبات ترديد عبارة الراحل سعد الله ونوس «إننا محكومون بالأمل»، ولكن كثيراً ما كان يتم الاجتهاد عليها وفقاً لسياق الكلام والمعنى، ولدى استعارتها في سياق الحديث عن وضع صالات العرض السينمائية في سورية، نصل إلى طريق شبه مسدود «على أقل تقدير الآن»، ولعلّ أقرب كلمة تعبّر عن واقعها حالياً هي كلمة «مجهول»، وكأنها باتت اليوم محكومة بالمجهول.
المياه الراكدة
الكلام ليس لبث روح التشاؤم ولكنها رحلة معقدة تمتد لعقود، وكلما ظهر بصيص أمل هنا أو هناك لا يُستثمر بالشكل الأمثل، وكأن قوّة فرامل عجلة تحديث الصالات وتطويرها أقوى بكثير من قوّة تحريكها، فرغم القوانين والمراسيم والقرارات التي صدرت منذ بداية الألفية الثالثة لمحاولة تحريك المياه الراكدة نجد الحراك مجمّداً وكل يرمي الكرة في ملعب الآخر، لا بل ليس هناك من أفق منظور حولها . وهنا أعود إلى تحقيق صحفي نشرته في صحيفة الثورة عام 2000 إبّان صدور مرسوم وقرار يلغي حصرية استيراد الأفلام ويمنح ميّزات لمن يقوم بتطوير صالته أو باستحداث صالات جديدة، ورغم الوعود التي أطلقها حينها عدد من أصحاب الصالات وتردد البعض مطالبين بتسهيلات أكبر وتوفر النية الجدّية عند البعض الآخر، إلا أن المياه بقيت مُجمدة . ومع اتساع ساحة الأمل في فترة لاحقة خاصة فيما يتعلق بإقامة صالات ضمن المولات إلا أن الحرب التي شنت على سورية زادت من فداحة المشهد عبر تدمير دور للعرض في عدد من المحافظات وتهرّب أصحاب «المولات» من استحداث صالات سينمائية فيها .
الوقوف على الأطلال
هناك الكثير الذي يمكن أن يُقال توصيفاً للمشهد، خاصة في ظل الارتباط العضوي بين تحريك عملية الإنتاج السينمائي وإنشاء دور العرض، إضافة إلى دخول المنصات على خط الإنتاج والعرض السينمائي العالمي ما جعل هامش الصالات يضيق إلى حدّ ما على مستوى العالم لصالح دوران عجلة محراث التطور . ولكن بعيداً عن هذه التحديات وما يُضاف إليها من حصار جائر وارتفاع تكلفة التجهيزات وأسعار البطاقات و..، سعت المؤسسة العامة للسينما إلى تنشيط الحراك السينمائي ضمن المُتاح وإيجاد سبل العرض اللائقة أو المقبولة، إن كان عبر صالات «سلسلة الكندي» في مختلف المحافظات أو المراكز الثقافية أو دار الأسد للثقافة والفنون..، ولكن هذا لا يعفي القطاع الخاص من دوره الذي كان حضوره فيما سبق كبيراً ومؤثراً على الساحة، ومن الأهمية بمكان عودة ألقه من جديد ليكتمل المشهد، وضمن هذا الإطار لن نقف على الأطلال لنستذكر عدد الصالات في سنوات خلت، فسورية كانت من أوائل الدول العربية التي دخلتها السينما .
حلول وبدائل
محاولة الخروج من عنق الزجاجة أمر لابدّ منه عبر إيجاد الحلول والبدائل المقبولة التي تُنصف حال العرض السينمائي بعيداً عن التجاذبات وقريباً جداً مما تحمله السينما من سحر وألق وتأثير ضمن المجتمعات، فهي ليست ترفاً وإنما حاجة ثقافية جمالية واجتماعية . ولا بدّ من بث الحياة من جديد في طقس يحتاج إلى دراسة متكاملة للاستثمار ضمنه وفق منحى يتساير مع التطور الذي شهدته ساحة الإنتاج والعرض السينمائي، ويتجاور فيه منحى الصناعة مع منحى الإبداع جنباً إلى جنب، فالحراك السينمائي السوري يستحق صالات مجهزة بالأفضل، وهو الأمر الذي بات ضمن صالات القطاع الخاص نادر الحدوث .
هي دعوة للنظر إلى المسألة من منظار وطني لتتكاتف الجهود سعياً للنهوض بالمشروع السينمائي بشكل متكامل، فمن الأهمية بمكان إنشاء صالات تتمتع بشرط عرض صحي وتقدم الأفلام التي ترتقي بذائقة المتلقي، وأن يشمل توزعها مختلف المناطق بما فيها الضواحي، وتحقيق ذلك يحتاج جملة من التحركات والقرارات التي قد تساهم في بث الحياة بحالة الركود التي تعاني منها الصالات، كطرح المحفزات لاستثمارها وتطوريها وإنشاء صالات جديدة، ومن بين التسهيلات «على سبيل المثال» إعطاء امتيازات مغرية وتحفيزية ومنح قروض سينمائية مُيسّرة وطويلة الأمد، إصدار قرارات مرتبطة بتسهيلات تتعلق باستيراد المعدّات وتأمين المواد اللازمة لتحديث الصالات.
من سينما إلى مفروشات !..
عبر نظرة سريعة لعدد من دور العرض السينمائية «الخاصة» وسط العاصمة دمشق اليوم نجد على سبيل المثال أن صالة الأمير تم إقفال بابها تماماً وحوّل شباك التذاكر فيها إلى حائط من الإسمنت والحديد، وكما أقفلت أبواب صالتي سينما الشام، وكُتب على واجهة صالة الزهراء عبارة «الصالة مغلقة بسبب أعمال الصيانة»، على حين تستمر سينما دنيا بالعمل وفق آلية العرض نفسها السائدة منذ سنوات، وأبواب صالة الفردوس مُقفلة وأغلق شباك التذاكر فيها بأحجار «البلوك».
أما سينما الأهرام فشكّلت الاستثناء حيث تم تحويلها إلى صالة ضخمة لعرض السجاد والمفروشات الأمر الذي أثار العديد من إشارات الاستفهام حول كيف حدث ذلك؟ وهل هي سابقة قد تتبعها صالات أخرى؟ هل تُنذر بحالة موت مُعلن لصالات العرض؟ وما الحلول الأنجع لصالات موجودة بالاسم دون فعل؟ هل تُترك مقفلة إلى أجل غير مسمى أم تحوّل إلى استثمارات مختلفة أم إن هناك حلولاً أخرى؟ ولكن إن تم تجديدها فهل من أفلام حديثة؟ وهل من جمهور يمتلك ثمن التذكرة التي لا بد من تناسبها مع مستوى تحديث الصالة ؟.