الثورة أون لاين _ هفاف ميهوب:
لأن الفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو» وجد بأن تاريخ الفكر متقلّب، ويحكي عن الهوامش فقط، أطلق مفهوماً جديداً في حقل المعرفة، وهو «حفريات المعرفة».. المفهوم الذي جعل الخطاب المعرفي لديه، عبارة عن مجموعة من النصوص والتفسيرات والبحوث، التي تشكّل حقلاً معرفياً ما، وتحليل هذا الخطاب، يحتاج إلى حفرياتٍ متعدّدة، للوصول إلى دلالته العميقة والمتنوّعة..
إنها الحفريات، التي وجدها ملزمة باختراق عتمة وضبابية الخطاب، وصولاً إلى العميق والجوهري فيه، وعبر «قراءة تسمح باستعادة النور الذي كان قبل القراءة باهتاً وخافتاً.. قراءة تعمل على استعادة النور الأصل»..
أما عمّن يمارس عملية الحفرِ في الخطاب، فيرى «فوكو» بأنها الذاتية التي تتشكّل في مواقع الخطاب التي تشغله، وهو لا يعتبر الذات التي تتكلّم مصدر وأصل العبارة، فـ»بإمكان أيّ فردٍ أن يشغلها، عندما ينشئ عبارة، وبقدر ما يمكن للفرد أن يشغل مواقعَ مختلفة في نفس سلسلة المنطوقات، يمكن له أن يشغل وظائف مختلفة في الخطاب»..
هذا عن الخطاب لدى «فوكو»، أما لدى الفيلسوف «جاك دريدا» الذي اختلف معه بعد أن قام بانتقاد كتابه «عصر الجنون»، فهو خطاب يعتمد على التفكيك، ولا يعني هذا رفض النصّ، أو هدمه وتخريبه، بل تفكيكه ومن ثمّ إعادة تركيبه، بعد تصحيح أخطائه، وتحريره من الأوهام الإيديولوجية السائدة..
يعتمد «دريدا» هذا التفكيك، في تقويضِ الخطابات وتشريح النصوص، الأدبية منها والفلسفية، ويقوم بذلك من خلال تواجده داخل النصّ، أو الخطاب الذي يسعى للإطاحة بتابوهاته ومحرماته الموروثة، مثلما بالمقولات التي تتواجد فيه، وتكون سائدة في الثقافة الغربية..
يفعل ذلك، وهو يرى حتى أبسط النصوص وأكثرها وضوحاً وفهماً، تحمل بعض الغموض أو التناقض أو التعقيد، وسوى ذلك مما يجعل منها «معضلة» غير واضحة أو مفهومة.
إنها الطريقة التي اعتمدها في سعيه لقراءة النصوص، ومن ثمّ البحث عمّا فيها من ألغازٍ ومعضلات، وهدفه من ذلك، جعلنا نلتمسها ونفهم الخطاب الذي يصبح بسيطاً وواضحاً، بعد تفكيكه وقراءة ما يخفيه.. التفكيك الذي رأى بأنه:
«ليس فقط تقنية «البناء المعطّل» لأنه يتصوّر «فكرة البناء».
