أوروبا و«فائض» أرذل العمر

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:

لم ينطو البيان الأوروبي على مفاجآت بالمعنى السياسي، على ما فيه من لغة تستبدل مفردات النسق الأوروبي من التفكير، بسجل مستنسخ من النفاق الأميركي، لكنه في المقلب الآخر من المعادلة التي أنتجته، يحاكي فائض النفاق الأميركي بما يقتضيه من نماذج مبتكرة من الدجل والكذب،
يحضر فيها الأوروبي بصورة أطماعه، وفي أحيان أخرى بصيغة الاستعمار القديم بذرائعه الممجوجة ووصايته المرفوضة في الماضي.. والمستحيلة في الحاضر.‏‏‏

فالأوروبيون الذين يسترشدون بما يأتي من واشنطن، ويستعيرون بعضاً من مفرداتها، يدركون قبل غيرهم أن هذا البيان يقترب من الهراء السياسي الذي تندفع فيه أوروبا نحو حافة الإفلاس بعد عجزها عن الاحتفاظ بمفردات ومصطلحات تعبر عن ذاتها، فتعوضه بالالتزام بحرفية النص، وتترجم ما يريده الأميركي وما يرغب به، رغم اليقين القاطع بأن أوروبا التي تعصف بها رياح أرذل العمر باتت أكثر شيخوخة مما تمليه حقائق التاريخ، وتترنح تحت عبء المواءمة بين الرضا الأميركي واضطراب العلاقة مع التاريخ ذاته.‏‏‏

وحيث تستشعر القارة العجوز خطر الساحات المفتوحة في داخلها لتكون المعارك التي جهدت أن تشعلها في ساحات الآخرين قد امتدت إلى عمقها، تقف على أطلال أطماع بدت حتى اللحظة مجرد أوهام في نفق لا ينتهي وسط أمواج من التلاطم العالمي، الذي تتحول فيه أوروبا من جديد إلى مسرح للمواجهة الساخنة، بعد أن احتفظت لنفسها على مدى عقود بحق حصري في إشعال فتيل الصراعات الإقليمية خارج حدودها، والتفرد بجني ثمار تلك الصراعات على نحو يزيد من ضعف الشعوب، ويفتعل معادلات وهمية من الحاجة للوصاية الأوروبية.‏‏‏

لكنها من منطق عجزها وتبعيتها المفرطة للولايات المتحدة الأميركية لا تبدي أي حراك أو اعتراض على ما يجري، بدليل أن المهمات القذرة التي ترتضيها لنفسها غالباً ما تكون بدافع الرغبة في إرضاء الهيمنة الأميركية وتأكيد دورانها في الفلك الأميركي، رغم مؤشرات الانزواء الواضحة في كثير من الجوانب.‏‏‏

كل ذلك أشبع نقاشاً، وقد يكون مفهوماً وله مبرراته التي تبدي من خلالها أوروبا عجزها الواضح عن الخروج أبعد مما يراد لها أميركياً، أو أكثر مما هو مطلوب منها، لكن أن تسوق في الوهم إلى الدرجة التي تتنكر فيه لوجودها وتاريخها، وأن تفشي وبدفعة واحدة كل أسرار نفاقها على العالم والشعوب عبر ما سوقته من شعارات وما مارسته تحتها من أكاذيب وفبركات وادعاءات جوفاء، وبهذا الشكل الفاضح، فإن القضية تتجاوز حدود التبعية بمعناها الاستراتيجي والتقليدي لتكون صورة مصغرة عن العهر السياسي الذي تشربته أجيال من الساسة الأوروبيين، ومارست من خلاله القطيعة الكلية مع جذرها ودورها وحضارتها في العلاقة مع التاريخ.‏‏‏

فالخطاب الأوروبي لا يكتفي بممارسة الدجل العلني في ازدواجية مقرفة وسفيهة، وإنما يمارس عهراً سياسياً غير مسبوق لا يجاريه فيه أحد، حيث العقل الأوروبي الذي أنتج للبشرية تاريخاً من الانجازات والشعارات على حد سواء محكوم بنهايات أرذل العمر، التي تبدو فيه أوروبا كفيفة في السياسة وكسيحة في الدبلوماسية، ومشوهة ومعاقة في التاريخ وعلم الاجتماع، وأكثر من ضرير في الإعلام، وهي تتجاهل الحرائق التي أوقدتها وقد تطايرت شرارات اشتعالها إلى القلب الأوروبي، بعد ان زادت من عمق التجربة لديها بما أدخلته إلى إرهابييها من خبرة في الإجرام والقتل.‏‏‏

والمسألة ليست مقايضة في التفكير ولا استرشاداً بما تذهب إليه التحليلات الغربية، بقدر ما تعكس واقعاً مفرطاً في مشهد السياسة الأوروبية التي بدت شيخوختها السياسية كافية لكي تذهب بما تبقى لها من رصيد كان يمكن أن يستر عورات أرذل العمر، أويكفيها شر الحاجة إلى الحماية والوصاية الأميركية المستشرية هذه الأيام.‏‏‏

الفارق بين ما اقترفته أوروبا في انسياقها خلف أطماعها، وبين ما ترتكبه في لهاثها طلباً للرضا الأميركي، أن أوروبا اليوم على حافة الدخول في كهوف الإرهاب، وهي التي أشعلت شرارته وبنت له جحور التناسخ والتكاثر، ورحلة عودته المبكرة للإرهابيين لا تبدو منفردة في سياق التاريخ الذي يحاول أن يقف على الحياد في لحظات الاشتعال، وفي أوقات بروز المجابهات على جبهات التاريخ بين الكبار.‏‏‏

أوروبا تودع عالم الكبار وتبقى في انتظار فتات ما تتكرم به واشنطن من أدوار وسخة لا تقبل ولا تريد القيام بها، ومع ذلك نراها تكابر في النفاق والدجل وتمارس طقوساً من الإفراط في الخنوع لأطماع بعض رجال ساستها المحكومين بصبيانية تبعيتهم ورضوخهم المذل، حيث يحاضرون بالديمقراطية التي فضحتها عورات أرذل العمر حين أوكلت قيادها لفائض النفاق لدى العم السام.‏‏‏

a.ka667@yahoo.com ‏‏‏

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين