إن كانت الدول الكبرى والإقليمية كروسيا الاتحادية وإيران وغيرهما حريصة على إقامة علاقات طيبة مع تركيا لضرورات سياسية واقتصادية ، فإن خلاص تركيا أو الجزء الأكبر منه مرتبط بمدى قدرتها على تحقيق حالة التوافق مع سورية بعد أكثر من عقد من سياسة العداء ، تلك السياسة التي لم تفض إلا إلى المزيد من المشكلات العصيّة على الحلول البسيطة. لذلك سارعت تركيا لطرح مبادراتها ذات الأشكال المختلفة ، تظهر فيها رغبتها باستعادة علاقاتها الطبيعية مع سورية ، في وقت تبدو فيه تلك العودة مشوبة بالكثير من المصاعب والعقبات التي تعيق تحقيقها نظراً للدور العدائي لتركيا سواء في دعم المجموعات المسلحة أو احتلال أراض سورية كانت تتواجد فيها مجموعات مسلحة ، بعضها يدار من جانب الاستخبارات التركية ذاتها.
واليوم تدخل المنطقة دائرة تداخلات وعلاقات معقّدة تتجه شكلاً نحو إعادة رسم علاقات طبيعية ما بين سورية وتركيا ، كانت بداياتها لقاءات عسكرية وأمنية مع تطلعات تركية لعقد لقاءات على مستوى وزراء الخارجية ، لا يبدو أنها سهلة التحقق، فهل تنجح المساعي الروسية في المضي بهذا المسار الذي يخدم مشروعها السياسي ويتوافق مع رؤاها الراهنة؟
ترتبط روسيا بعلاقات قوية مع تركيا وتقيم معها اتفاقات ومعاهدات اقتصادية مهمة ، فضلاً عن الدور السياسي والدبلوماسي في القضية الأوكرانية إذ تلعب أنقرة دوراً داعماً ووسيطاً ما بين موسكو والغرب عموماً .
ومن جانب آخر تعتمد روسيا في مسعاها على العلاقات العميقة مع سورية لتمضي في دعم مبادرتها التقريبية على مدى أقل من ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية التركية ، تلك الانتخابات التي تهدد مستقبل أردوغان وحزبه وتطرح مسألة اللاجئين السوريين كمشكلة من أصعب المشكلات التي تواجه أردوغان.
باعتقادي أن مسألة المضي في مشروع المصالحة أمر صعب طالما استمر احتلال تركيا لأراض سورية وطالما استمرت تركيا بدعم المجموعات المتطرفة المسلحة المتواجدة في شمال وشمال غرب سورية ، وهذه أبسط وأوضح الخطوات الواجبة التحقق للسير في موضوع المصالحة ، وتأتي بعدها المفاوضات على توافقات أمنية وتعويضات مادية عن الخسائر التي تسببت بها أنقرة بشكل مباشر.
وتبقى الصورة الجليّة محددة بثبات هذه المطالب بعيداً عن رغبة الأصدقاء والحلفاء والشركاء في محاربة الإرهاب ممن يخلطون ما بين مصالحهم ومصالح سورية بشيء من الضبابية أو عدم صوابية الرؤية ، فوساطة الحلفاء وتأثيراتهم وحتى خواطرهم لا تعني الخلط أو التنازل أو التضحية بالبطولات الكبيرة والقرابين الغالية التي قدّمها الشعب والجيش العربي السوري الباسل لمنع المخططات العدوانية الغربية والتركية من هزيمة إرادة السوريين ، ليبقى الحق وحده من يفرض شروط المصالحة التي تبقى مطلباً سورياً متلازماً بالحفاظ على سيادة الوطن وحقوق مواطنيه.