ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
تتعدد أسباب الصمود وتتباين أحياناً وفق الظروف أو حسب المعطيات المرحلية وما توفره من عوامل إضافية ترجّح كفّة الاستمرار في المواجهة، وفي حالات أخرى قد تكون عوامل الصمود مرتبطة بسلسلة من المراحل التاريخية التي استطاعت أن توفر أرضية صلبة لتجاوز المفازات الصعبة غير المحسوبة.
في الحالة السورية لا أحد ينكر أن عوامل الصمود تداخلت فيما بينها وتعددت مصادرها، وأحياناً مظاهرها والمشاهد التي تعزز من حضورها على المدى المتوسط والبعيد، بحكم ما تحمله من خصائص ذاتية وموضوعية، وفرضت بالتالي حالة استثنائية لم يكن متاحاً دائماً التقاط تلك المظاهر الدالة عليها، وفي بعض جزئياتها كان من الصعب على الكثيرين أن يفهموا مدى تجذّرها في الواقع السوري.
ما نقوله لا يأتي في إطار التمنّي السياسي الرائج بقدر ما يحاكي وقائع ومعطيات رسمت تداعياتها على الواقع القائم، واستطاعت أن تثبت بالتجربة مدى تطابقها مع الواقع بدليل أن العوامل التي حملت سورية على الصمود على مدى قرابة الأربعين شهراً لم تأتِ من فراغ، ولا هي مجرّد ظواهر آنية أو افتراضية، بل تتجسد في المحاكاة العملية لمتطلبات الصمود.
في القراءة السياسية، لم يكن من الممكن المرور خارج إطار الحسابات التي تُمليها قاعدة العمل التي أسست على مدى عقود تجاوزت الأربعة، حين أسست سورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد بنية سياسية واقتصادية قادرة على تحمّل أزمات مركبة في الإطار السياسي والاجتماعي والفكري بظواهرها الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، ومؤهّلة لمواجهة تحديات لم يكن من المتاح التنبؤ بحدوثها، ولا الحديث عن الشروط التي تُمليها، حيث لم يسبق أن حدثت بهذا الشكل، ولا بتلك الطريقة.
على هذه القاعدة فإن البناء الداخلي الذي وفّر عوامل صمود بنيوية ناتجة عن تحضير أرضية اقتصادية واجتماعية وتوفير مؤسسات قادرة على التعاطي مع ظروف الأزمة ومستعدة للتكيّف مع خياراتها المختلفة، جاء ليرسم عناوين من الصمود الأسطوري حين اقترن بإرادة شعبية واضحة وصريحة، وبقيادة استطاعت أن توظّف الإمكانات المتاحة بأقصى طاقاتها، وساهمت في فرط عقد التنبؤات السياسية والوعود والتمنيات الإقليمية والدولية المراهنة على سقوط الدولة السورية، وأدخلت محفل التآمر في متاهة لا يستطيع ولن يستطيع الخروج منها اليوم ولا في المدى المنظور.
فالحسابات الإقليمية الموتورة والمعادلات الصبيانية التي دفعت بالكثير من ساسة المنطقة والعالم إلى بناء تخيلات غير واقعية عن الحالة السورية، ارتطمت مباشرة بحقائق الوجود السوري التي كانت تعبّر عن ذاتها في اجتياز اللحظات الفاصلة بكثير من الاقتدار والكفاءة، التي لم تكن واردة في الحسابات، فأعادت رسم معادلات جديدة مختلفة في معاييرها وفي الأطراف الداخلة في تركيبتها.
على هذا النحو تستذكر سورية عوامل الصمود من بوابة اليقين بأن ما بنته في عقودها الماضية كان معياراً عملياً لمستوى الأداء في عمل المؤسسات ودورها وتحضير الأرضية للمواجهة بأقدام ثابتة، وهي تدرك ما لديها، وتعرف جيداً طاقتها وإمكانياتها، وما تدخره من سنوات العمل الماضية على مختلف مستويات البناء الذي أسس أعوام النهضة، وراكمت عليه إضافاتها النوعية سنوات المنعة، ما جعل من عوامل الصمود ووسائل القدرة على المجابهة أدوات إضافية في سياق فرض المعادلات الاستثنائية في المنطقة والعالم.
لسنا بوارد الحديث المسهب عن حالة فردية أو ظاهرة منعزلة في سياق تتلاطم فيه المتغيّرات، بقدر ما نحاول أن نرصد تكاملاً في الإطار الوطني الذي جعل سورية رقماً دولياً صعباً يضاف إلى أرقامها الصعبة عربياً وإقليمياً حين برز القائد السياسي كأحد عوامل البناء، وتالياً الصمود الأسطوري في وجه أعتى عدوان عرفته البشرية في عصورها الحديثة.
عوامل الصمود السوري بهذا المعيار حققت مفاعيلها السياسية وأرخت بظلالها على المشهد من منطلق القائد الذي أرسى دعائم نهضة حضارية، ومن مفهوم القائد الذي استطاع أن يقود صموداً غير مسبوق في تحريك حوامل القوة الذاتية والموضوعية لخوض المواجهة المفتوحة، وتفكيك المعادلات القائمة وفرض معادلات جديدة في السياسة وفي الاستراتيجيات وفي موازين القوى العالمية.
a.ka667@yahoo.com