ثورة أون لاين – بشار الحجلي :
لم يكن الإرهاب كمصطلح متداولا في أي وقت من الأوقات كما هو اليوم خاصة بعد ما قاسته المنطقة العربية من شرور هذا الإرهاب وويلاته ، وبعد تعميم ثقافة الموت وقطع الرؤوس وأكل الأكباد بدلا من ثقافة المحبة والتسامح والتعاون بين الناس تحقيقا لهدف معلن ينطبق عليه ما يقال أن شراسة المواجهة وتعدد أساليب الإرهاب كشفت حقيقة مبتكريه وداعميه وأدواته مثلما كشفت حقيقة أهدافه وعززت حالة المقاومة والتصدي له بكافة الأشكال والأساليب المتاحة .
كتاب اليوم مرآة اجتهد مؤلفها نبيل فوزات نوفل عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية ـ عضو لجنة الدراسات والبحوث وأمين سرها لدورة كاملة ، في تجاوز حالة الكشف عن الجذور التاريخية لهذا الإرهاب على الغوص عميقا في تحليل الظاهرة وتحولاتها التاريخية وفضح الدور الأمريكي ـ الصهيوني في نشرها لتضرب المناطق الآمنة في العالم في محاولة لإخضاع شعوبها ونهب خيراتها والسيطرة المطلقة على مقدراتها .
الكاتب نوفل يشير في مقدمة كتابه " الإرهاب الدولي ـ الجذور والحقيقة " إلى الارتباط العميق لهذا المفهوم مع نشوء الدول الاستعمارية قديمها وحديثها حيث تنوعت الأشكال من فرض الاستعمار بكل أشكال القوة وارتكاب المجازر والإبادة الجماعية بحق كل يقاوم أو يفكر مجرد التفكير في فضح أساليبها ومراميها لبسط سلطانها على البلاد المستعمرة . ويبن التاريخ أن مصدر جميع الحروب التي قامت على هذا الكوكب حتى يومنا كان الجشع الاستعماري لدى أمم الشمال وحب التسلط على ثروات ومقدرات الشعوب الضعيفة ـ أمم الجنوب ـ وإرهاب الدولة الذي تمثله بوضوح اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها " إسرائيل " والذي نشهد اليوم أبشع فصوله وأشكاله على أرضنا هو تجسيد للعنف في عالمنا المعاصر ، الأمر الذي يدعونا إلى تفسير أصوله بأنها تعبير عن ظاهرة الاضطراب السياسي الذي تحدثه العولمة في العصر الحديث مع الاشارة على أن أول من مارسها في منطقتنا العربية عصابة يهودية في فلسطين المحتلة اسمها
" السيسكاري " وبالعودة إلى زمن الثورة الفرنسية نجد أن قادتها وفي مقدمتهم روبسبير، وسان جوست دانتون مارسوا عنفهم السياسي حيث قطعوا بالمقصلة رؤوس 40 ألفا من الفرنسيين .
تعددت الأسماء وغاب التعريف
يعترف مؤلف الكتاب أن قادة جهات الأرض يختلفون حول مفهوم موحد لمصطلح الإرهاب الدولي حيث تعددت السماء وغاب التعريف الواضح والمفسر لهذا المصطلح الذي يعاني من تداعياته اليوم معظم سكان الأرض فيقول :
" يستعمل تعبير الإرهاب حسب نعوم تشومسكي في كتابه الإرهاب ـ الأسطورة والواقع للإشارة إلى التهديدات باستخدام العنف أو استخدامه بالفعل للتخويف أو الإكراه لتحقيق غايات سياسية في عظم الأحوال سواء كان إرهاب الجملة الذي يمارسه الأباطرة ، أم إرهاب التجزئة الذي يمارسه اللصوص " ، وهو عند الدكتور جلال عز الدين في كتابه الإرهاب والعنف السياسي هو عنف منظم ومتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام الموجه على دولة أو جماعة سياسية والذي ترتكبه جماعات منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية .
وفي وثائق جامعة الدول العربية عام 1998 اتفق وزراء الداخلية والعدل العرب يومها على أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .
ويرى البعض أن الإرهاب ليس وليد أفكار وفلسفات حديثة فحسب إنما هو متجذر في بعض العقائد بحيث يصبح هذا الإرهاب نصا مقدسا وأمرا ميتا فيزيقيا يحل في النفس ليصبح جزءا من نسيجها الديني والسلوكي والأخلاقي .
وعرفت موسوعة السياسة الإرهاب بأنه استخدام العنف غير القانوني أو التهديد به بأشكال مختلفة كالاغتيالات أو التشويه والتعذيب والتخريب بغية تحقيق هدف سياسي معين مثل كسر روح المقاومة عند الأفراد وهدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات ، أو كوسيلة من وسائل الحصول على معلومات أو مال أو بشكل عام ، استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية.
وتبين قراءة الأحداث التاريخية أن أكثر من مارس وما يزال الإرهاب في أعنف صوره هي الحركة الصهيونية المدعومة من قوى البغي والعدوان حيث رافق التطرف والعنف والإرهاب اليهود أينما كانوا وفي أي مجتمع عاشوا , ولا يخفى على القارئ الكريم ان الإرهاب المستند إلى عقيدة إرهابية يتجسد في النظرية الصهيونية وهذا جابوتنسكي الأب الروحي لمنظمة أراغون الإرهابية يقول إن التوراة والسيف انزلا من السماء معاً".
بين يدي الكتاب والكاتب
الكتاب الذي أراد كاتبه كما قال أن يختط لنفسه منهجا خاصا جاء في ثلاثة فصول الأول الجذور الخبيثة للإرهاب تناول فيه أصول الفكر التلمودي الصهيوني من خلال مرتكزات العقيدة الصهيونية الإرهابية بالاعتماد على قراءة موضوعية لمصادر الإرهاب الصهيوني مشيراً على محاولات تزوير التاريخ الفلسطيني .
والفصل الثاني تحدث حول الولايات المتحدة رأس الإرهاب العالمي الجديد كاشفا النقاب عن وجود أكثر من 40 منظمة إرهابية مسلحة داخل مجتمعاتها ، وتحت عنوان الأمريكي القبيح هادم الحضارات الإنسانية تحدث عن الحروب الإرهابية التي شنتها أمريكا على شعوب العالم وتدخلاتها العلنية والسرية في شؤون الدول والشعوب لفرض هيمنتها وسيطرتها على العالم وتحت عنوان " الماء يكذب الغطاس " تحدث عن إرهاب الدولة الأمريكي ومنها مدخلا عاما لأحداث الحادي عشر من أيلول 2001والرواية الأمريكية لما حدث وأبعادها الاستعمارية والعدوانية للوصول إلى المنطقة العربية واحتلال العراق ولتقديم رؤية أكثر دقة تحدث الكاتب عن العولمة الباب الواسع للإرهاب الدولي ويختم بالفصل الخير بالسؤال الذي اجتهد لتقديم الجواب عنه وهو هل من سبيل لمواجهة الإرهاب مع تحليل منطقي وعلمي لأشكال المواجهة بنوعيها الرسمي والشعبي مشيرا لأهمية سلاح المقاومة وعقيدة الاستشهاد خيارا مهما لاستعادة الحقوق العربية المغتصبة .
الأستاذ الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط والثروة المعدنية الأسبق في سورية الذي قدم لكتاب السيد نوفل قال : إن كتابا معتبرا مثل كتاب الأستاذ نبيل نوفل لا يتطلب تمهيدا ولا توضيحا لهذا فأنا أفتخر بأن أترك للقارئ أن يستمتع بإشراق فكر الشباب الوطني العربي الوحدوي المجاهد الذي تجسد في كتاب " الإرهاب الدولي .. الجذور والحقيقة" .
يذكر هنا أنه صدر للكاتب تسعة مؤلفات في الفكر السياسي المعاصر منها دراسات في الفكر السياسي المعاصر ـ المياه العربية .. التحديات والمستقبل ـ المثقفون في الوطن العربي ـ حبال الشيطان " الهجرة اليهودية لفلسطين " ـ المحرقة والخلاص ـ الرأي العام " جلاء الحقيقة التاريخية" ـ العرب .. أثمة للصبح منطلق وأخيرا وعي اللغة العربية عن الهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة ـ وله قيد الطبع: وعي التراث ـ وعي العروبة ـ العقول المخصية وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب جمعية الدراسات والبحوث وله الكثير من المقالات في الصحف السورية والعربية ومحاضر في المراكز الثقافية في سورية .