ليس من السهل الاستيعاب بأن لا يكون الاتحاد العام لنقابات العمال متضامناً مع العمال الذين كانوا جزءاً من كيانه بعد أن أفنوا حياتهم في خدمة الوطن والمؤسسات التي كانوا يعملون بها، فهو اتحادٌ وازن له كلمته ودوره الكبير على الصعيد الوطني اجتماعياً واقتصادياً وخدمياً، ولذلك فالجميع ينتظر منه دائماً أفضل المواقف .. وأحسن الخطوات التي تسير باتجاه تحقيق ولو مكسباً عمالياً بسيط يُضاف إلى الرصيد الذي استطاع هذا الاتحاد العزيز أن يبنيه على مدى عقود.
اتحاد العمال لا نعرفه إلاّ كياناً وطنياً متفرغاً كلياً لصيانة حقوق العمال على مساحة الوطن وفي مختلف القطاعات العام والخاص والمشترك، ولا يهدأ في سعيه الدؤوب ونضاله المستمر من أجل تحسين أوضاع أولئك العمال، فلاهمّ له سوى ذلك الهمّ، أعماله وأمواله واستثماراته وخدماته .. لجانه ونقاباته واتحاداته ومجالسه ومؤتمراته، كلها مسخّرة من أجل مصالح العمال وتثبيت مكاسبهم وترقيتها والسعي لتحويل مطالبهم إلى حقائق على الأرض.
وعادةً يكون اتحاد العمال هو الوعاء الكبير الذي يتسع لكل المطالب العمالية، وهو صلة الوصل النقية والأمينة بين العمال المتعبين والجهات الحكومية الأخرى، فيوصل صوتهم ومطالبهم إلى مطابخ القرار تمهيداً لتحقيقها أو تحقيق ما أمكن منها.
هذا ما نعرفه عن هذا الاتحاد الذي نعيش معه بكل مودة في مختلف تفاصيله، ولذلك سنطرح عليه اليوم أمراً حتى وإن كان لا يعجبه أو غير مهتم به حتى الآن، ولكن سنطرحه لأنه يشكل رغبة كبيرة عند آلاف العمال الذين قضوا سنين حياتهم في خدمة الوطن بأعمالهم وتقاعدوا، وهي رغبة محقّة .. لا بل ضرورية جداً، وبإنجازها نكون قد حققنا جانباً بسيطاً من ذلك الطيف الواسع من الحقوق المنسية للعاملين والتي ما تزال ضائعة وتحتاج إلى الكثير من الجهود سواء لجهة زيادة الرواتب والأجور في ضوء هذا التضخم المفرط والأسعار الكاوية التي جعلت الحياة المعيشية للعمال في أدنى مستوياتها منذ عقود، أم لجهة تحسين الحوافز الإنتاجية والتعويضات المستحقة التي ربما بدأت تتبدّل وإن ببطءٍ سلحفاتي مقيت.
الرغبة التي نعنيها هي (إحداث نقابة للمتقاعدين) ترعاهم وتدافع عن حقوقهم في الحياة – أو فيما تبقى لهم منها – وعن مصالحهم ومطالبهم.
فمن غير المعقول أن يُرمى المتقاعد مُجرّداً من الحقوق النقابية ومن تقديم الخدمات الاجتماعية والعلاجية إليه فور تقاعده، حيث يوقف الاشتراك ويشطب من النقابة، وهذا إجراء جائر بل بمنتهى الجور، ولاسيما أن تلافيه ممكنٌ بسهولة، فنحن في اتحاد الصحفيين – مثلاً – تستمر عضويتنا فيه بعد التقاعد ولا مشكلة قانونية في ذلك، المشكلة مزاجية بحتة .. أو ربما إرادة .. أو قد تكون سوء فهم لهذا النمط من التعامل مع المتقاعدين.
إن كان الاتحاد العام لنقابات العمال غير مقتنع بفكرة (نقابة المتقاعدين) رغم أنها فكرة واردة وموجودة في العديد من الدول العربية، فيمكن أن يعتمد فكرة إبقاء العامل في نقابته بعد التقاعد على أن يستمر بتسديد اشتراكاته ويتابع بتلقي الخدمات من الصناديق والميزات المتاحة، وذلك على غرار اتحاد الصحفيين.
ليس من المقبول أبداً أن يبقى الاتحاد العام لنقابات العمال مستمراً في صمِّ آذانه عن المطالب المتصاعدة من أجل حل هذه القضية، ولا يزال صامتاً لا يُجيبُ بالرفض ولا بالقبول، وقد وصلته هذه المطالب موقعة من مئات المتقاعدين، ومدعومة بتأييد بعض اتحادات العمال في المحافظات – كاتحاد عمال محافظة اللاذقية – والمسألة لا ترقى إلى مستوى الرفض .. أو النقاش الصريح على الأقل، وهذا ما نأمله .. نقاش صريح وموضوعي يُحالُ إلى مجلس الاتحاد – صاحب القرار – وليكن بعدها ما يكون.