لعبت الصحافة الورقية دوراً هاماً في تنوير الرأي العام ونقل الأخبار وتشكيل وعي سياسي ومعرفي خلال أكثر من ستة قرون ونيف، ومع نهاية القرن التاسع عشر أخذت الإذاعة المسموعة دوراً كبيراً في هذا المجال وتجاوزت مساحات تحرك الصحافة وتأثيرها بوصفها وسيلة إعلام مسموعة متاحة للجميع سواء كانوا متعلمين أو أميين، إضافة إلى أنها شكلت ما يمكن تسميته عولمة الصوت لأن الإذاعات تجاوزت الحدود الجغرافية للدول، وتحولت إلى أداة دعائية هائلة ومؤثرة في الحروب ونتذكر دور إذاعة ألمانيا الحرة وإذاعة بي بي سي ودورهما في التأثير في الأحداث ومع التطور الإعلامي النوعي الذي حدث بعد اختراع التلفاز، لعبت الصورة دوراً كبيراً في نقل الأحداث والتأثير الحاسم في الرأي العام والسيطرة على الفضاء الوطني وتشكيل ما يشبه سور الحماية له، ولكن تلك الحالة لم تستمر بفعل التحول الهائل في وسائل الإعلام الذي حصل بعد العولمة والانتقال إلى عصر الفضاء المفتوح وتقانة الإعلام المتقدم حيث برز الدور غير المسبوق للمنظومات الإعلامية الكبرى ودورها في تغيير المشهد الدولي لجهة كونها المسوق للسياسات وما يصدر عن مراكز الأبحاث والدراسات التي هي في حقيقتها مصنع السياسات وصانعتها في الغرب والذي يقتفي السياسيون ويتبنوا ما يصدر عنها من رؤى وأفكار واستراتيجيات.
ومع الانتقال إلى عصر السوشل ميديا وثقافة الصورة والبرمجيات و تطور عالم الاتصال واتساع نطاق شبكات التواصل الاجتماعي ودورها الهام في عولمة الفضاء الكوني وتجاوز الحدود الوطنية، أصبح الحديث عن شخصية إلكترونية للفرد مسألة تفرد لها مراكز الدراسات الاجتماعية ووسائل الإعلام حيزاً واسعاً في أجندتها وبرامجها انطلاقاً من حقيقة أن الشخص يتعامل بمساحة حرية غير محدودة في إطار تعبيره عن آرائه وأفكاره بكل ما يتعلق بالشأن العام، وكافة القضايا المتعلقة بالمحيط الذي يعيش فيه ومن هنا يمكن اكتشاف تكوينه الفكري والنفسي وصولاً إلى وجهة نظره في أي قضية أو مسألة مطروحه على الرأي العام.
إن الإحصائيات المسجلة على شبكات التواصل تشير إلى أن عدد المسجلين على شبكة الفيسبوك فقط يزيد على ملياري مشترك ناهيك عن تويتر وغيرها، وهذا يبين أهمية تلك المواقع وطبيعة الدور الذي تقوم به في التأثير على مجريات الأحداث في عالم اليوم فالشخص وفق تلك الخاصية أصبح هو مصدر إنتاج الخبر والمعلومة وربما الحدث أيضاً لا بل إن الدراسات الإعلامية لم تعد تميز بين إعلام رسمي وإعلام خاص، وإنما بين إعلام قديم وحديث من منظور الأدوات والخطاب والتقانة والكادر وكذلك من خلال الإجابة على سؤال محوري يتعلق بالمحتوى الإعلامي للوسيلة الإعلامية ومدى اعتمادها على ما تقدمه شبكات التواصل الاجتماعي من معطيات واقعية وتغطية من أحداث وفعاليات ونشاطات كونها تنقل المعلومة من مكان الحدث مباشرة وهو ما تعجز عن تغطيته أي وسيلة إعلامية مهما امتلكت من إمكانات وعناصر تقانة حديثة أو مساحات جغرافية على الرغم من تحول العالم إلى قرية كونية زالت فيها الحدود بين الدول وانكمشت فيها المساحات.
إن إعلاماً تشاركياً تفاعلياً بين المؤسسات والأفراد لم يعد ضرورة وحاجة بقدر ما هو أمر واقع لا تستطيع أي وسيلة إعلامية مهما امتلكت من إمكانات وقدرات أن تتجاوزه أو لا تأخذه بعين الاعتبار، لأن في ذلك تقليصاً لمساحة حضورها وتأثيرها وجدواها وبالتالي خروجها من دائرة التأثير والفعل، ولكن ذلك لا يعني بالتأكيد التعاطي مع ما تحمله شبكات التواصل من معلومات وقضايا بشكل اعتباطي فلا بد من وضع معايرة لذلك، سواء تعلق الأمر بدقة المعلومة ومصداقيتها أو درجة انسجامها مع المعايير المهنية والمنظومة الأخلاقية للمجتمع التي تشكل عملياً جوهر ومضمون الرقابة المسبقة على الوسيلة الإعلامية دون أن يتعارض ذلك مع الحق في تداول المعلومات وحرية النشر وحق التعبير عن الرأي.