الثورة – ترجمة محمود اللحام:
لا تزال الأنظمة الغربية بمفهومها الاستعماري مصرة عليه في تعاملها مع العالم، غير مكترثة للرفض الدولي تجاه الغرب.
يبدو أن الأمر وكأننا نعيش في أسوأ وأقسى فترة استعمار، حيث تناقش باريس وبرلين مستقبل إفريقيا معاً دون مراعاة لمواقف دولها.
من حسن الحظ أن رؤساء الدبلوماسية الفرنسية والألمانية هذه المرة يشبهون إلى حد كبير المتسولين الذين جاؤوا للتوسل للحصول على الدعم الأفريقي لأوروبا التي يفترض أنها رفضت كل هذا، رمزياً، في بلد أفريقي لم يُستعمَر قط، رغم المحاولات الغربية العديدة مثل إثيوبيا. والواقع أن الزيارة المشتركة لوزراء خارجية النظامين الفرنسي والألماني إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا كان لها هدف واضح، هو دعوة الدول الإفريقية للمرة الألف إلى إدانة روسيا، لكن من دون نجاح كبير حتى الآن.
تقول المحللة الألمانية أنالينا بربوك: إن السلام في أوروبا يتعرض للهجوم، ونحن بحاجة إلى إفريقيا للدفاع عن السلام.
وتساءلت فقط أين كان رئيس الدبلوماسية الألمانية Frau Baerbock عندما دمرت أوروبا نفسها، بالتواطؤ مع واشنطن، حيث تعرضت دول كثيرة ذات السيادة للاستعمار الغربي، بما في ذلك الدول الأفريقية، ليبيا هي مجرد مثال حديث.
أبعد من ذلك، هل تعتقد الشخصيتان بجدية أن جزءاً كبيراً من الأفارقة لا يعرفون تاريخ الملف الأوكراني؟ وبشكل أكثر تحديداً أن الحرب ضد السلام في أوروبا لم تحدث منذ عام 2022، بل منذ عام 2014؟ بسبب المأساة التي يعيشها سكان دونباس، وتتحمل برلين مثل باريس نصيباً كبيراً من مسؤولية تلك المأساة، والتي سيتعين عليهما بالتأكيد تقديم حساب عندما يحين الوقت.
خاصة بعد اعترافات ميركل وهولاند الأخيرة، بعد أن أكَّدا أن اتفاقيات مينسك، التي كانت ألمانيا وفرنسا ضامنتين لها، في الواقع كانت هذه الاتفاقات مجرد وسيلة لكسب الوقت لصالح نظام كييف، وعلى حساب مدنيي دونباس طوال هذه السنوات، بكل ما نتج عن ذلك من مآس وشهداء وضحايا.
السخرية في هذا الوضع برمته هي أن ألمانيا وفرنسا، تحاولان استخدام خطاب الحبوب الأوكرانية مع أفريقيا، الذي يفترض أنه لا غنى عنه للدول الأفريقية.
من المؤكد أن هناك أيضاً القادة الأفارقة وشعوبهم لا يتقنون الإحصائيات الدولية حول هذا الموضوع، مع العلم أن أوكرانيا هي المصدر الخامس فقط للقمح على المستوى الدولي، في حين أن روسيا هي الأولى إلى حد كبير، وهذا لعدة سنوات حتى الآن.
لذلك إذا كان هناك بالفعل خطر حدوث نقص في الحبوب المخصصة للدول غير الغربية، بما في ذلك بالطبع الدول الأفريقية، فهذه هي النتيجة المباشرة لعقوبات الأنظمة الغربية ضد روسيا واللوجستيات الدولية.
حيث يزداد الأمر سوءاً عندما نعلم أنه حتى تصدير الحبوب الأوكرانية، الذي يعمل عبر الممر الذي أقيم بموافقة روسيا وبوساطة تركيا، يعمل إلى حد كبير لصالح الأنظمة الغربية هنا مرة أخرى، وليس لصالحها بأي حال من الأحوال، على حساب احتياجات الدول غير الغربية، بما في ذلك الدول الأفريقية.
إن الجهود المشتركة لباريس وبرلين مفهومة إلى حد ما، لأنه إذا استمرت الأولى في رؤية نفوذها يتضاءل في القارة، بما في ذلك الآن مع فشل آخر في بوركينا فاسو.
في الحالة الألمانية، كان هناك أمل في أن تتمكن من استعادة النفوذ كمستعمر سابق في جزء من أفريقيا، لكن في مواجهة وجود الصين وروسيا وغيرها من الدول غير الغربية، ربما لن يكون لدى الألمان ما يقدمونه.
لكن الشيء الرئيس الذي يجب تذكره في هذه المحاولة الغربية العديدة، وربما العبثية، هو أن الممثلين الألماني والفرنسي يطبقان أوامر واشنطن فقط، واستمرار التبعية لها، على أمل دفع جزء كبير من إفريقيا إلى المعسكر الغربي.
كل هذا بالطبع مع الحفاظ على نبرة وموقف ورثة أسوأ سنوات الاستعمار. لا شيء يساعد – أفريقيا والأفارقة لم ينخدعوا، وهم قادرون تماماً على معرفة من هم الشركاء المخلصون، ومن هم أبناء آوى الخارجين عن القانون، لذلك سيستمر الغرب في معاناته من إخفاقات كبيرة أخرى في القارة الأفريقية، كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم.
المصدر: موندياليزاسيون